منها الغاز والنووي والسياحة.. ملفات ثنائية كبرى تدفع روسيا وتركيا لـ”حلول وسط” في الخلافات الإقليمية الخطيرة

منها الغاز والنووي والسياحة.. ملفات ثنائية كبرى تدفع روسيا وتركيا لـ”حلول وسط” في الخلافات الإقليمية الخطيرة

من سوريا إلى قره باغ مروراً بليبيا وأوكرانيا وغيرها من الساحات الإقليمية، كاد أن يتحول الخلاف التركي- الروسي إلى مواجهة عسكرية مباشرة تدمر العلاقات بين البلدين وتدفعهما من مربع التعاون والتنافس أحياناً إلى مربع المواجهة المباشرة التي تنسف علاقات التعاون السياسي والدفاعي والاقتصادي المتنامي بين البلدين.

 

وباستثناء حادث إسقاط تركيا الطائرة الروسية على الحدود مع سوريا وهي الحادثة الأخطر في علاقات البلدين بالسنوات الأخيرة، فإن البلدين نجحا على الدوام في اللعب بالمساحات الآمنة والتنافس الحساس والخطير جداً أحياناً ولكن مع الحفاظ على تجنب المواجهة بما يحافظ على استمرار التعاون الثنائي بين البلدين ومنع انهيار العلاقات وتحولها إلى علاقات عداء ومواجهة مباشرة.

 

وتشير هذه السياسية بشكل واضح إلى أن البلدين يوليان علاقاتهما الثنائية أهمية كبيرة جداً تفوق أهمية التنافس في الملفات الخارجية وهي العلاقات التي تتشعب بشكل سريع وتتوسع لتشمل ملفات مهمة جداً يصعب التضحية فيها بصعوبة من أي من الجانبين لا سيما ملف الغاز الطبيعي وخطوط التصدير والاستيراد وملف السياحة الضخم بين البلدين والتعاون في بناء محطات الطاقة النووية وصولاً إلى شراء الأنظمة الدفاعية.

 

وتأمل روسيا أن يؤسس ذلك لإمكانية انتقال العلاقات بين البلدين من مربع التنافس إلى التعاون وربما لاحقاً إلى التحالف الذي يمكن أن يكون استراتيجياً في مرحلة ما إذا ما تدهورت العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين إلى أكثر مما وصلت إليه بكثير، وهو سيناريو يبقى قائماً على الرغم من عمل روسيا عليه بشكل حثيث والحذر التركي من الوقوع في فخ الانعزال الكامل عن المعسكر الغربي، الذي ما زال يعتبر الحليف الاستراتيجي الأساسي لتركيا رغم حزمة الخلافات الضخمة بين الجانبين.

 

وفي سوريا، على الرغم من وقوف البلدين على طرفي نقيض من الحرب المتواصلة هناك منذ 10 سنوات، إلا أنهما نجحا في وضع العلاقات في إطار “التعاون الثنائي لإنهاء الأزمة السورية” مع استمرار التنافس على النفوذ ودعم طرفي القتال وصولاً إلى المواجهة العسكرية شبه المباشرة ومقتل جنود أتراك بغارات النظام المدعوم روسياً وإسقاط طائرات وأنظمة دفاعية روسية يستخدمها النظام في معادلة معقدة لم تدفع البلدين لمربع المواجهة المباشرة، بل الإصرار على وجود “تعاون” لحل الأزمة السورية وعدم تأثيرها على العلاقات الثنائية.

 

وفي ليبيا، تدخلت تركيا عسكرياً بشكل مباشر إلى جانب حكومة الوفاق، بينما أرسلت روسيا مجموعات فاغنر للقتال إلى جانب خليفة حفتر، ورغم وقوع مواجهات عسكرية شبه مباشرة بين الجانبين ودمرت الطائرات التركية المنظومات الدفاعية الروسية واحدة تلو الأخرى في تنافس إقليمي غير مسبوق، إلا أنهما تجنبا الصدام المباشرة ويتحدثان اليوم عن التعاون لضمان الاستقرار والحل السياسي النهائي في ليبيا.

 

وفي قره باغ، دعمت تركيا أذربيجان ضد أرمينيا ولعبت المسيرات التركية دوراً حاسماً في حسم المواجهة لدرجة كبيرة لصالح أذربيجان ضد المعدات العسكرية الروسية التي كانت تستخدمها أرمينيا المدعومة من موسكو، ورغم الخشية من دخول روسيا الحرب وتحولها إلى مواجهة بين الجانبين، نجح الطرفان أيضاً في تجنب المواجهة وبات الحديث اليوم عن “التعاون لإرساء السلام والاستقرار” رغم استمرار التنافس والغضب الروسي من تصاعد النفوذ التركي في آسيا ونيتها مؤخراً فتح قنصلية في مدينة شوشة الأذربيجانية التي كانت تسيطر عليها أرمينيا.

 

وفي أوكرانيا، ما زالت تركيا تعتبر ما جرى في القرم هو احتلال روسي وتؤكد بشكل دائم على دعمها لوحدة الأراضي الأوكرانية، حيث باعت أنقرة لكييف طائرات تركية مسيرة من طراز بيرقدار وتتعاون دفاعياً بشكل متصاعد مع أوكرانيا. وقبل أيام فقط أغضب أردوغان روسيا بالتأكيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة على وحدة الأراضي الأوكرانية وما سبق ذلك من مشاركة تركيا في منصة القرم المناوئة للسيطرة الروسية على المنطقة، ورغم ذلك يتحدث الجانبان عن التعاون لحل الخلافات بين روسيا وأوكرانيا.

 

هذا الطابع المعقد في العلاقات التركية- الروسية التي باتت محكومة بالتنافس الإقليمي في مناطق مختلفة لم ينعكس على حجم التعاون الثنائي المتصاعد بين الجانبين، وتعزيز التعاون في ملفات جديدة تبدو حيوية ومهمة جداً للجانبين، وهو ما ضغط دائماً على الجانبين لتجنب المواجهة المباشرة أو خلط الملفات والعودة مجدداً للتركيز على الحفاظ على ملفات التعاون الثنائي التي تتمحور بين الغاز والنووي والسياحة والاقتصاد بشكل عام لكنها تحمل في طياتها رؤية استراتيجية لكلا الجانبين.

 

ويشكل الغاز أحد أبرز المصالح المشتركة بين الجانبين، حيث تعتمد تركيا بدرجة كبيرة على الغاز الروسي لتأمين احتياجاتها الحيوية من الغاز الطبيعي، كما تولي روسيا أهمية موازية لأهمية خطوط الغاز التي تمر من الأراضي التركية لا سيما “السيل التركي” الذي يخذي أحد خطوطه تركيا بشكل مباشر والثاني أوروبا مروراً بالأراضي التركية.

 

كما يعتبر التعاون في مجال الطاقة النووية ملفاً حيوياً للجانبين، حيث تبني روسيا لتركيا محطة “أق قويو” للطاقة النووية بما يحقق لها مكاسب اقتصادية كبيرة وتساهم في رؤية تركيا لتعزيز امن الطاقة المحلية، في حين كشف أردوغان، الخميس، عن أنه بحث مع بوتين إمكانية بدء العمل بإنشاء محطتين جديدتين للطاقة النووية في تركيا وهو ما سيعزز تعاون البلدين في هذا المجال ويعود بمكاسب على الجانبين.

 

كما يمثل السياح الروس أكبر نسبة من السياح الذين يغذون القطاع السياحي التركي الذي يمثل أحد اهم روافد الاقتصاد، ووصل عددهم قبل أزمة كورونا قرابة 6 ملايين سائح سنوياً ويعمل البلدين لعودة العدد إلى ما كان عليه قبل الجائحة، إلى جانب ذلك بات التعاون التجاري والاقتصادي مصيرياً بين البلدين بعدما وصل إلى أكثر من 21 مليار دولار سنوياً بمنتجات حيوية للجانبين وسط تأكيدات على وجود رؤية لإيصال هذا الرقم إلى 100 مليار في أقرب وقت ممكن.

 

كما تتجلى الأبعاد الاستراتيجية في التعاون الدفاعي بين البلدين، حيث لجأت تركيا لتأمين احتياجاتها من الأنظمة الدفاعية من روسيا عبر شراء منظومة إس- 400 وسط تلميحات عن نيتها شراء دفعة جديدة من المنظومة الروسية بعد فشل الحصول على منظومة باتريوت الأمريكية، في حين تراقب موسكو عن قرب فشل أنقرة بالعودة إلى برنامج طائرات إف- 35 لتحين الفرصة لبيع تركيا طائرات حربية من الجيل الخامس وهو ما سيبعد أنقرة أكثر وأكثر عن المعسكر الغربي ويقربها أكثر من روسيا.

 


مصدر الخبر :موقع "القدس العربي"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *