دراسة تسلط الضوء على حالات “السكن الشبابي” في تركيا وأثرها على اللاجئين السوريين

دراسة تسلط الضوء على حالات “السكن الشبابي” في تركيا وأثرها على اللاجئين السوريين

نشر “مركز الحوار السوري” دراسة اطلع عليها موقع “الجسر ترك” تسلط الضوء على حالات السكن الشبابي في تركيا وأثرها على اللاجئين السوريين من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها.

 

وقالت الدراسة إن أعداد السكنات الشبابية بين عامي 2013- 2016، وهي الفترة التي شهدت أكبر موجات لجوء إلى تركيا وأوروبا بشكل واضح؛ فقد لبَّت هذه السكنات احتياج الإقامة المؤقتة والرخيصة للكثير من الشباب القادمين إلى تركيا بنية العمل أو الذهاب إلى أوروبا، وتعامل معها الكثير من السوريين على أنها مشروع استثماري مربح.

 

ويمكن تعريف السكن الشبابي بأنه: منزل يُدار لهدف استثماري من قبل فرد أو جهة، يقطن فيه عدد كبير من الشباب العزّاب، يحصل كل منهم فيه على سرير وخزانة، ويتشاركون فيما بينهم بالمرافق العامة والمرافق الصحية، حيث يتراوح عدد الأفراد في الغرفة الواحدة بين شخص واحد حتى 6 أشخاص أو أكثر، وتتراوح الأجرة الشهرية بين 250-800 ليرة تركية تبعاً لعدد الأفراد في الغرفة الواحدة ولمكان السكن والخدمات التي يقدمها.

 

يُعد السكن الشبابي من البيئات غير المتجانسة التي تضم أعداداً من الشباب من مختلف الشرائح العمرية والجنسيات، ومن مختلف الخلفيات التعليمية والدينية والأخلاقية والثقافية والتعليمية والمناطقية وبأعداد كبيرة ومتجددة، وهو ما يثير حفيظة المجتمع التركي، لاسيما وأن الشعب التركي عادة متشدد فيما يتعلق بمواضيع النظافة والضجيج، كما يُبدي تحفظات بشأن تأجير العائلات الأجنبية نظراً لاختلاف الثقافات، وتصبح هذه التحفظات أكبر عندما يكون المستأجرون مجموعة من الشباب العزّاب دون عائلاتهم، وتكثر بينهم المشاجرات والخلافات.

 

وتعد بيئة السكن بيئة مناسبة لاندلاع المشاكل بين القاطنين فيه؛ ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب، منها: غياب المعايير والضوابط في قبول المقيمين، وعدم التزام بعض القاطنين بما تم الاتفاق عليه داخلياً من قواعد لإدارة السكن، أو بسبب استقبال الضيوف والأصدقاء، فضلاً عن التعدي على خصوصية الآخرين والإزعاج المتكرر والسهر إلى أوقات متأخرة.

 

وتتنوع أنماط المشاكل في السكن الشبابي؛ حيث تبدو مشاكل التواصل حاضرة نتيجة غياب القدرة على إدارة حوار مشترك، فتنتهي معظم الحوارات البسيطة بشجارات، كما أن غياب الخصوصية نتيجة ضيق المساحة المخصصة لكل منهم واستخدام مرافق مشتركة قد يكون سبباً إضافياً في ارتفاع وتيرة المشاكل بين القاطنين أيضاً.

 

وتشير نتائج استبانة الدراسة إلى أن 40% من السكنات الصغيرة تستقبل بين 8-12 شخصاً، بينما تستقبل 28% منها أعداداً تتراوح بين 13-20شخصاً، أما السكنات الكبيرة فقد استقبل 86% منها أعداداً تراوحت بين 21-50 شخصاً، وأشار 58% من المستجيبين إلى أنهم يقطنون حالياً في غرفة تضم أربعة أسرّة على الأقل.

 

ومن أنماط المشاكل الحاضرة بقوة في السكنات الشبابية حوادث السرقة؛ فقد أشار 51% من المستجيبين إلى وجود حالات سرقة تنتشر بشكل واضح في السكنات الشبابية، حيث إن معظم حالات السرقة تتم من قبل أحد القاطنين، وتستهدف الأجهزة الإلكترونية والأموال والأوراق الثبوتية، وحتى الأغراض والملابس الشخصية.

 

ومن جهة أخرى تُعد السكنات الشبابية بيئة لا تتوافر فيها الظروف الصحية المناسبة للعيش، حيث تتسبب حالة الاكتظاظ وغياب النظافة وعدم توافر الطعام الصحي بانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، هذا بالإضافة إلى وجود شريحة تعاني من مشاكل صحية واضحة وتحتاج الى رعاية صحية وأدوية بشكل مستمر.

 

وإلى جانب ذلك كله يعاني قاطنو السكن الشبابي من مجموعة من المشاكل القانونية؛ وتتجلى في عدم امتلاك بعضهم لأوراق الإقامة القانونية، بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بوجود بعض القاطنين الذين قد يقومون بأعمال غير قانونية كالتهريب أو تعاطي المخدرات والحشيش والترويج لها أو التجارة بها أو إدارة بعض أنشطة الدعارة أو التعامل بالدولار المجمد أو ببرامج المراهنات، عدا إمكانية تورط بعض القاطنين في هذه السكنات بعمليات الاحتيال والاستغلال .

 

وقد أثّرت تجربة السكن الشبابي على القاطنين بشكل سلبي في بعض الأحيان، وبشكل إيجابي أحياناً أخرى؛ فقد برزت التغيرات السلبية التي طرأت على القاطنين في السكن الشبابي على شكل تغير سلبي في درجة الالتزام الديني، خاصة بدرجة الالتزام بأداء الصلاة عند 28% من الشريحة المستطلعة آراؤها، بالإضافة إلى التغير السلبي في الالتزام بتعاليم الدين المتعلقة بالحلال والحرام عند 25% من هذه الشريحة، في حين  تبدو ثلت الشريحة المستطلعة آراؤها قد تعرضت إلى تغيرات تجاه أفكارها حول الدين؛ 17% منها تعرضت لتغيرات سلبية، و17% تعرضت لتغيرات إيجابية.

 

ومن جهة أخرى تظهر نتائج الاستبانة أن جو السكنات الشبابية لا يشجع على الالتزام الديني أو حتى الأخلاقي؛ فقد أشارت 70% من الإجابات إلى انتشار ألفاظ الكفر والألفاظ النابية، بينما أشار 34% إلى وجود الأفكار الإلحادية وانتشارها بين القاطنين بنسب متفاوتة، كما أشار 31% من المستجيبين إلى حدوث تغييرات سلبية عليهم من جهة اكتساب العادات السيئة والألفاظ البذيئة بشكل أكثر من السابق، نتيجة تأثرهم بالبيئة المحيطة.

 

ومن جهة أخرى وفي محاولة لتتبع الانحرافات السلوكية والأخلاقية ينتشر الكحول والحشيش بين 13- 18% من السكنات الشبابية شملها الاستطلاع، في حين أشار 24% إلى أنهم صادفوا حالات لأفراد يقومون بعلاقات غير شرعية داخل أو خارج السكن.

 

وتبدو التأثيرات السلبية لتجربة السكن الشبابي أوضح من الناحية النفسية؛ إذ أشار ثلثا المستجيبين إلى تدهور حالتهم النفسية بعد هذه التجربة، في حين صرح 45% من المستجيبين إلى أنهم أصبحوا ينظرون بشكل سلبي للمستقبل أكثر من السابق، كما تراجعت معدلات تواصل هؤلاء الشباب مع عائلاتهم عند ثلث الشريحة المستطلعة آراؤها.

 

أما على الجانب الإيجابي فقد قدمت السكنات الشبابية بيئة اجتماعية بديلة عوضت الشاب عن فقدانه العائلة وانتقاله إلى مجتمع مختلف الثقافة واللغة، وتشير نتائج الاستبانة إلى أن 58% من قاطني السكن الشبابي تعرفوا على أصدقاء سوريين جدد في تركيا، وهو ما ساعدهم على الحصول على فرص عمل، كما عززت هذه التجربة الثقة بالنفس عند 33% من المستجيبين، ورفعت القدرة على تحمل المسؤولية عند 46% من الشريحة المستطلعة آراؤها.

 

وأما بالنسبة لسكنات الإناث فتتشابه في معظم النواحي مع سكنات الذكور؛ إلا أنها ذات شروط أفضل بكثير من حيث النظافة والانضباط بالقوانين وعدد القاطنات، كما أنها أغلى سعراً، وتختلف فيها أنماط المشاكل، وتنتشر فيها بعض السلوكيات الأخلاقية السيئة، ولكن بوتيرة أقل من سكنات الذكور.

 

وتتركز احتياجات شريحة القاطنين في السكن الشبابي في الحاجة للتواصل الفعال والإرشاد، والحصول على مكان بديل يصلح للمعيشة، بالإضافة إلى دعم لمشاريع الزواج أو المشاريع الصغيرة، ودورات تطوير المهارات؛ سواء الدورات المهنية أو دورات اللغات، إلى جانب الحاجة إلى بعض الخدمات الاستشارية القانونية والنفسية وبعض المشاريع التعليمية التعويضية.

 

هذا وتُظهر معظم منظمات المجتمع المدني وبعض الجهات الدعوية عزوفاً واضحاً عن التوجه ببرامج ومشاريع لهذه الفئات، وهو ما يعود إلى غياب اطلاع هذه المنظمات على واقع هذه الشريحة ومشاكلها واحتياجاتها وتحديات تأمين الدعم والتمويل، بالإضافة إلى غياب المتخصصين الذين يمكنهم التعاطي مع هذه الفئة والتفاعل مع مشاكلها المتداخلة، لاسيما وأنها تعاني من مزيج من مشاكل أخلاقية وفكرية وأسرية ومجتمعية، اجتمعت معها ارتدادات الحرب واللجوء لتخلق عندها حالة من اللامبالاة.

 

وعلى الرغم من أن واقع هذه الشريحة يبدو قاتماً إلا أن الفرص لا تزال مهيأة للتأثير الإيجابي في هذه الشريحة والتخفيف من الآثار السلبية؛ حيث إن هذه الشريحة تحتاج للاهتمام والرعاية والمتابعة والنصح والتوجيه أكثر من احتياجها للدعم المالي، وإن التوجه لهذه الشريحة يجب أن يكون من منطلق الصداقة والرحمة والإحساس بالمسؤولية، لا من منطلق الأستاذية والنصح المتعالي.

 

وقد طرحت الورقة مجموعة من التوصيات استهدفت منظمات المجتمع المدني السورية والتركية بالدرجة الأولى؛ ركزت على ضرورة التوجه إلى هذه الشريحة بمشاريع تلبي احتياجاتها، وتأمين ظروف إقامة وسكن أفضل، والتدرج في التعاطي معهم بشكل مرحلي في محاولة لإعادة بناء حالة من الثقة المتبادلة، عندها يمكن لهذه المنظمات إقامة مشاريع مباشرة وموجهة تسعى إلى تطوير خبرات هذه الشريحة وتوعيتها ومساعدتها على الحد من التغيرات السلبية التي تعرضت لها وتوجيه قدراتها نحو القنوات الصحيحة بما يخدمها ويخدم مجتمعاتها.

يمكن الاطلاع على الدراسة كاملة من خلال هذا الرابط:

https://cutt.ly/6ECnme1

 

 

 


مصدر الخبر :فريق تحرير الجسر ترك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *