أردوغان في افريقيا.. ترسيخ للوجود التركي وتقهقر للنفوذ الفرنسي

أردوغان في افريقيا.. ترسيخ للوجود التركي وتقهقر للنفوذ الفرنسي

تأتي زيارة الرئيس أردوغان إلى إفريقيا امتداداً للاهتمام التركي المتصاعد بالقارة، إذ أعقبت القمة الإفريقية-التركية الثالثة التي عُقدت في إسطنبول ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما سبقتها في أكتوبر/تشرين الأول جولة رئاسية تركية في القارة السمراء.

 

في جولة جديدة قام الرئيس التركي أردوغان برحلة إفريقية زار خلالها الكونغو الديمقراطية والسنغال، كما التقى رئيس غينيا بيساو في السنغال بعد أن تم تعديل برنامج الجولة بسبب مشاركة أردوغان في قمة قادة حلف شمال الأطلسي “الناتو” الطارئة مما حال دون زيارته لغينيا بيساو.

 

تأتي هذه الزيارة امتداداً للاهتمام التركي المتصاعد بالقارة الإفريقية، إذ أعقبت القمة الإفريقية-التركية الثالثة التي عُقدت في إسطنبول ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما سبقتها في أكتوبر/تشرين الأول جولة رئاسية تركية في القارة السمراء.

 

تركيا تتجه نحو خليج غينيا

بعد نجاحها في تثبيت مراكز نفوذ استراتيجية لها في كل من الصومال وإثيوبيا شرق القارة الإفريقية، بدا لافتاً في السنوات الأخيرة سعي أنقرة لتعزيز نفوذها في غرب ووسط القارة منذ الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الليبية في 2019.

 

في هذا الإطار تُبرز الزيارة الأخيرة للرئيس التركي إلى كل من الكونغو الديمقراطية والسنغال وغينيا بيساو، التي كان من المفترض أن يزورها، الاهتمام التركي المتصاعد بمنطقة خليج غينيا التي تضم 18 دولة من غرب ووسط إفريقيا، فقد سبقتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي جولة شملت ثلاثاً من دولها هي أنغولا وتوغو ونيجيريا.

 

شهدت هذه الزيارة مباحثات مع رئيسي الكونغو الديمقراطية والسنغال، في حين التقى أردوغان رئيس غينيا بيساو في السنغال بعد تأجيل زيارته المقررة إلى بيساو نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا وعودة الرئيس التركي إلى بلاده للمشاركة في قمة افتراضية للناتو يوم الأربعاء.

 

وتمثل جهود أنقرة الأخيرة جزءاً من استراتيجيتها للحفاظ على المصالح التركية متعددة الأوجه التي رسختها أنقرة في المنطقة خلال العقدين الماضيين، في ظل اندفاع قوى إقليمية ودولية مختلفة لتثبيت مواطئ أقدام لها هناك.

 

الدبلوماسية الناعمة

في صياغة روابطها بدول خليج غينيا تتبنى أنقرة استراتيجية متعددة الأبعاد، تتضمن مصفوفة من المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها.

 

وبجانب هذا برز في سياق هذه الزيارة استخدام الدبلوماسية الناعمة التركية، من خلال تأكيد الرئيس التركي في رسالة منشورة البعد التاريخي لعلاقات بلاده والسنغال التي تعود إلى ستة قرون مضت، كما وضح الرئيس التركي أيضاً في رسالته الموجهة إلى السنغاليين دعم وكالة التعاون والتنسيق التركية (TİKA) لتنمية السنغال، من خلال التوقيع على 186 مشروعاً في جميع أنحاء البلاد بقيمة إجمالية تبلغ 12 مليون دولار.

 

وفي مواجهة الشكوى الإفريقية المريرة من انعدام العدالة في توزيع لقاحات كورونا عالمياً، نلحظ ملمحاً آخر لهذه الدبلوماسية، حيث أعلن الرئيس التركي في الكونغو الديمقراطية نية بلاده إرسال مليون جرعة من لقاح سينوفاك و100 ألف جرعة من توركوفاك لمكافحة انتشار الفيروس، في حين جلب معه في هذه الزيارة 100 ألف جرعة لقاح.

 

الأمن على رأس الأجندة

 

برزت منطقة خليج غينيا مؤخراً على ساحة التحديات الأمنية العالمية، إذ ذكر برنار إيمييه، رئيس الاستخبارات الخارجية الفرنسية، في 1 فبراير/شباط 2021، أن تنظيم القاعدة في منطقة الساحل المجاورة يعد حالياً “مشروع توسع” باتجاه خليج غينيا، كما تحولت المنطقة في العقد الأخير إلى بؤرة جديدة للقرصنة العالمية.

 

وفي هذا الإطار تعمل تركيا على تعزيز دورها كشريك قادر على المساهمة في صياغة استراتيجيات لمعالجة المروحة الواسعة من المهددات الأمنية في المنطقة وعلى رأسها القرصنة، فانضمت أنقرة إلى قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات (CTF-151) التي أُنشئت في عام 2009 في نطاق مكافحة القرصنة في خليج عدن والمياه الصومالية وفي المحيط الهندي، كما تولت قيادة هذه القوة ست مرات.

 

وتسوق أنقرة مقارباتها الأمنية القائمة على تدريب قوات الجيش والشرطة، واستخدام معداتها العسكرية الفعالة ومنخفضة التكلفة، كالطائرات المسيرة وطائرات الاستطلاع والهجوم الخفيفة والحوامات التركية، والمدرعات التكتيكية ذات المستوى المعين من الحماية الباليستية.

 

وكان من الملاحظ أن الوفد المرافق للرئيس أردوغان ضم وزير الدفاع التركي خلوصي أقار ووزير الداخلية سليمان صويلو ورئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية إسماعيل ديمير.

 

وفي المقابل صرح الرئيس الكونغولي فليكس تشيسيكيدي أنه طلب دعم تركيا لمكافحة المليشيات والجماعات الإرهابية في شرق بلاده، الذي تنشط فيه جماعات مسلحة أهمها “القوات الديمقراطية المتحالفة” فرع تنظيم الدولة الإسلامية في وسط إفريقيا.

 

ومثّل توقيع اتفاقيات أمنية دفاعية بين أنقرة وكينشاسا تعزيزاً للبصمة التركية في السوق العسكرية الإفريقية، إذ شهدت الأعوام الماضية توقيع أكثر من 25 اتفاقية مماثلة، تضمنت بجانب ما يتعلق بالمعدات العسكرية توريداً وتصنيعاً تدريب قوات الجيش والشرطة.

 

الاقتصاد ومقاربة الربح المتبادل

يمثل الاقتصاد أحد المحاور الرئيسية لهذه الزيارة، وتبرز في هذا السياق أهمية السنغال على أكثر من صعيد، فميناء العاصمة داكار على الساحل الأطلسي يمثل عقدة اتصال لطريق داكار إنجامينا السريع المار عبر دول الساحل الخمس، وطريق داكار لاغوس السريع العابر للمراكز الحضرية الساحلية لدول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.

 

وبين 2014 و2018 تمتعت السنغال بأحد أعلى معدلات النمو الاقتصادي إفريقياً بما يزيد على 6% سنوياً، وبلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في 2020 نحو 25.12 مليار دولار وهو الأعلى في تاريخ البلاد على الإطلاق.

 

ووفقاً لبيانات البنك الدولي تتمتع جمهورية الكونغو الديمقراطية بموارد طبيعية استثنائية، بما في ذلك المعادن مثل الكوبالت والنحاس والذهب، وإمكانات الطاقة المائية والأراضي الصالحة للزراعة، والتنوع البيولوجي الهائل وثاني أكبر غابة مطيرة في العالم.

 

في حين تمثل غينيا بيساو سوقاً واعدة لشركات الطاقة بسبب الأحواض البرية والبحرية الكبيرة غير المستكشفة، إلى جانب تشجيع الدولة للمشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة.

 

وشهدت الزيارة توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية إذ أكد أردوغان دعوة المستثمرين الأتراك للعمل في الكونغو الديمقراطية، كما أعرب عن طموحه ارتفاع حجم التبادل التجاري بين بلاده والسنغال من 540 مليون دولار عام 2021 إلى مليار دولار.

 

وفي هذا الإطار يبرز الاهتمام التركي بتطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية كانعكاس لمحاولة أنقرة تنويع الروابط السياسية مع مناطق مختلفة في العالم.

وتعمل تركيا على تقديم نفسها كبديل عن القوى الخارجية النافذة تقليدياً في إفريقيا، من خلال طرح مفهوم الشراكة المتكافئة والربح المتبادل للجميع الذي وصف به الرئيس الكونغولي الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة أخيراً مع تركيا.

 

ورغم الفائدة التي تجنيها الدول الإفريقية من عمل المؤسسات التركية في مجالات مختلفة أهمها الإنشاءات وتطوير البنى التحتية، تزداد في المقابل أهمية الاستثمار في الفرص التي توفرها القارة السمراء بالنظر إلى المشاكل التي واجهها الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة.

 

التنافس الجيوستراتيجي يشتعل

 

قرع الحضور التركي المتزايد في المنطقة أجراس القلق في فرنسا التي تبدو أكبر الخاسرين من هذا التطور، فوفق المؤشرات الاقتصادية للسنوات الماضية فإن حجم التجارة التركي مع إفريقيا يتزايد طردياً مع انخفاض الحصة الفرنسية من تجارة القارة السمراء.

 

ويأتي تصاعد الحضور التركي في غرب ووسط إفريقيا في ظرف تواجه فيه باريس بيئة سياسية متغيرة في ما اعتبرته دوماً حديقتها الخلفية في إفريقيا الفرنكوفونية، فشهدت منطقة الساحل عدداً من الانقلابات شكلت مشهداً جديداً في المنطقة، كما اضطرت باريس إلى سحب قواتها من مالي وزيادة نشاطها في دول منطقة خليج غينيا.

 

في المقابل تعمد موسكو إلى الاستفادة من الاضطرابات الأمنية في المنطقة لتوسيع نفوذها الجيوسياسي انطلاقاً من تمركزها في إفريقيا الوسطى، في حين تتمتع الصين بحضور اقتصادي مؤثر من خلال ما يُعرف بدبلوماسية القروض.

 

أمام كل هذا يقف الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأول لإفريقيا، عاجزاً أمام الرفض الشعبي له والترحيب بالقوى الوافدة كتركيا والصين، في حين يزداد قلقه من احتمال التنسيق في ما بينها بما يؤدي إلى تآكل نفوذه تدريجياً في القارة السمراء.

 


مصدر الخبر :TRT عربي الكاتب :عبد القادر محمد علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *