شانلي أورفة… “مدينة الأنبياء” في تركيا، ماذا تعرف عن تاريخها الضارب في القِدَم؟

شانلي أورفة… “مدينة الأنبياء” في تركيا، ماذا تعرف عن تاريخها الضارب في القِدَم؟

تشتهر شانلي أورفة الواقعة جنوبي تركيا، بإسم “مدينة الأنبياء”، ويراها البعض “رابع مدينة مقدسة في العالم بعد مكة والمدينة والقدس” وتعد البوابة التي دخل منها الإسلام إلى الأناضول. كما يعتقد بعض الأتراك أن النبي إبراهيم وُلِد في تلك المنطقة وواجه نمرود فيها، وأن النبي أيوب عاش سنوات ابتلائه فيها، وأن يعقوب عاش وتزوج فيها.

 

ويحكى أن سلطان ذلك العهد نمرود رأى رؤيا مزعجة، وقصها لمنجمي عصره، فقالوا له إن “هذا العام سيولد طفل سيكون السبب في إنهاء سلطانك”. بعدها، يأمر بقتل جميع الأطفال الذين سيولدون في هذا العام. فهربت أم إبراهيم بسرية إلى كهف حيث أنجبت إبراهيم الخليل الذي بقي داخل الكهف سبع سنوات.

 

“القصة ليست ادعاء. ثمّة أدلة وآثار وأبحاث يجب إثباتها، لنقول إن هذه المدينة تاريخية أو لها طابع روحاني ومكانة مميزة، سواء على صعيد الزيارات الدينية أو خريطة السياحة العالمية بين الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى”. هذا ما تقوله الباحثة التركية، شناي تشاغتاي، في حديثها لـ “العربي الجديد”، عن شانلي أورفة، متمنية الابتعاد عن التقسيمات وتبعية المدينة. نحن برأيها أمام منطقة ضاربة بعمق التاريخ، وكل حديث “أقل من تاريخي وإنساني” هو تشويه للحضارة البشرية ولبقعة جغرافية ما زال سكانها يتحدثون لغات عدة حتى اليوم، كالتركية والعربية والكردية. ويعيش فيها شركس وفرس، وكان أهلها يتحدثون اللغة السريانية.  

 

تقول تشاغتاي إن أورفة مشتقة من كلمة “أورهى” السريانية و”أورهاي” الآرامية و”إدسا” اليونانية. وتشير إلى ضمها إلى الإمبراطورية الرومانية عام 212 ميلادي، لتتحول بعد انتشار المسيحية إلى مركز ديني وثقافي كما تذكر الكثير من المراجع التاريخية. وفي ما بعد، تعاقب عليها البيزنطيون والفرس ومنهم الساسانيون، ودخلها المسلمون عام 638 للميلاد، ما يعني أنه تعاقبت عليها حضارات وأديان كثيرة، من دون نسيان السلطنة العثمانية لاحقاً.  

 

وتتحدث تشاغتاي عن قدم وأهمية شانلي أورفة، وخصوصاً بعد اكتشاف “كاراهان تبه” الذي اتضح بعد أعمال بحث وتنقيب أنه قد يكون أقدم من “غوبكلي تبه” أقدم المواقع التي يقصدها السياح والمختصون في علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) والآثار والتاريخ والأديان في تركيا. 

يشار إلى أن “كاراهان تبه” موقع أثري اكتشف عام 1997 من قبل عالم الآثار التركي بهاتين تشيليك في منطقة جبال تك تك، ويعود تاريخه إلى الفترة ما بين 9500 و9000 قبل الميلاد، ويغطي مساحة 325.000 متر مربع، ويتكون من عدد من أعمدة بشكل “T” الحجرية والنقوش البارزة، وهناك أيضاً مجموعة من التماثيل الصخرية المصقولة لحيوانات برية كالماعز والغزلان والأرانب.

 

وكان وزير السياحة والثقافة التركي، محمد نوري إرسوي، قد أكد ما قيل عن مكتشفات الموقع نهاية عام 2020، بعد ثلاث سنوات من الحفر والنقيب. وقال: “يجري برنامج الحفر والتنقيب بشكل سريع ومكثف، ونعتقد أن العمل سيستمر لمدة عام آخر لكننا لم نتأكد من ذلك بعد، وسنصل لأقدم مركز أثري في العالم، وينبغي علينا التأكد علمياً. سيكون لهذا المكان أولوية خاصة، وسيكون محور اهتمام لأنه أقدم من غوبكلي تبه”.

 

بداية اكتشاف “غوبكلي تبه” كانت على يد مزارع تركي عثر على هيكل أثري عند حراثته لأرضه، ليقوم بتسليمه إلى السلطات المعنية في الولاية، وبتحقق الأخيرة من الهيكل، تبيّن أنه يعود إلى ما قبل 12 ألف عام. إثر ذلك، وتحديداً في العام 1963، كلفت مديرية الثقافة والسياحة في شانلي أورفة، باحثين من جامعتي إسطنبول التركية وشيكاغو الأميركية، التنقيب عن الآثار في المنطقة. وتم اكتشاف العديد من الآثار بالمنطقة، من بينها مسلات حجرية على شكل “T” تعود للعصر الحجري الحديث، يبلغ طولها ما بين 3 إلى 6 أمتار، ووزنها بين 40 و60 طناً، وعليها رسوم وأشكال حيوانية وتماثيل بشرية.

 

وقررت بلدية شانلي أورفة إنشاء “متحف تاريخ الأنبياء” بهدف تطوير الهوية التاريخية الغنية للمنطقة. وتعود تسمية شانلي أورفة بمدينة الأنبياء إلى اعتقاد تاريخي بأنها كانت موطنًا لستة من اﻷنبياء، وهي تحتل لذلك مكانة مميزة على خريطة السياحة العالمية بين الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى.

 

من جهته، يقول أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة “حران شانلي أورفة” أحمد أصلان: “يعود تاريخ المدينة إلى 3500 سنة على الأقل قبل الميلاد، استناداً إلى الاكتشافات الأثرية، التي تعيدها إلى الإمبراطورية الحيثية، ما يضعها بموقع أقدم مدن العالم، وموطن الأجداد المشترك للبشرية جمعاء”. ويوضح أن النبي يعقوب عاش مدة من الزمن في شانلي أورفة، قادماً من فلسطين، حتى يتزوج بابنة خاله راحيل التي كانت تعيش في أور، وتذكر التوراة أن يعقوب ولد في حران، أي مدينة أورفة”. يضيف أن يعقوب أيضاً عاش وتزوج فيها، كما يوجد ضريح في كهف يعود للنبي شعيب. وحسب ما جاء في بعض الروايات القديمة، فهناك أيضا “مقام أيوب وقبره، إذ يروى أنه مكث داخله وصبر على ابتلائه وعاش وتوفي فيها”.

 

وتضم المدينة بحيرة الأسماك، وتُعرف بأنها “أكبر حوض أسماك طبيعي في العالم” وتتمتع بأهمية دينية كبيرة بالنسبة للديانات السماوية، وهو ما يجعلها محط اهتمام السيّاح. وتعيش أعداد كبيرة من الأسماك في هذه البحيرة التي يمكن للزوّار الاستمتاع بمشاهدتها من فوق قلعة “شانلي أورفة”. كما توجد مغارة يعتقد أن النبي أيوب قضى فيها سنوات ابتلائه. وإلى جوارها، بئر يعتقد أن النبي أيوب اغتسل من مياهها ليبرأ بعدها من كل ما عانى منه من أمراض وآلام. 

 

كما تضم تلة البطن، ويعود تاريخ بنائها إلى نحو 11 ألف عام قبل الميلاد، وكانت تُستخدم في ذلك العهد كمعبد ديني، ويعرف علماء الآثار هذا المعبد على أنه أقدم معبد ديني في التاريخ. ولا يمكن نسيان حران ويُعتقد بأنه أقدم خان تجاري تم تأسيسه في التاريخ؛ ويعود تاريخ تأسيسه لسنة 2000 قبل الميلاد، وقد أنشئ هذا الخان من قبل السومريين وكان يُستخدم كمحطة للقوافل التجارية.

 

بالإضافة إلى ما سبق، فقد أنشئ جامع صلاح الدين الأيوبي الضخم على بقايا كنيسة العزيز يوحنّا التي بُنيت في عام 457 للميلاد من قبل البيزنطيين، وأشرف على بناء المسجد ودعمه صلاح الدين الأيوبي بنفسه. ويُعد جامع صلاح الدين التاريخي في مدينة شانلي أورفة نموذجاً للعمارة اﻷيوبية التي تتسم بالتقشف وعدم اﻹسراف في الزخرفة، بسبب الحروب الدائرة آنذاك مع الصليبيين.

 

من جهة أخرى، عدت هذه الولاية إحدى أهم مقاصد السوريين بعد نزوحهم من جراء الحرب عام 2011، وفق ما يقول السوري سليمان الرمان لـ “العربي الجديد”. يضيف أن “شانلي أورفة تشبه مدينة حلب كثيراً، خصوصاً بعدما قدم إليها نحو 425 ألف سوري شكلوا نحو 21 في المائة من سكانها، لتكون رابع أكثر ولاية تركية لناحية أعداد السوريين”. وكان رئيس بلدية شانلي أورفة نهاد جفجي، قد أكد العمل لدمج السوريين في المجتمع التركي، مضيفاً أنه “يجب أن نتيح لهؤلاء فرصة التأقلم والانسجام مع ثقافتنا. لذلك، نقوم بفعاليات عدة لتحقيق هذا الهدف، منها تنظيم دورات تعليمية في مجال الفن والموسيقى، ما يتيح للأطفال تعلم العزف والغناء باللغات التركية والعربية والإنكليزية”

 


مصدر الخبر :موقع "العربي الجديد"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *