تحالف الشعب المعارض في تركيا.. هل يصمد حتى 2023؟

تحالف الشعب المعارض في تركيا.. هل يصمد حتى 2023؟

يعيش تحالف الشعب المعارض في تركيا فتوراً بين مكوّنَيه الرئيسيين: حزب “الشعب الجمهوري” و”الجيد”، وذلك بسبب تباين وجهات النظر المختلفة، وهذا الأمر الذي يدفع إلى السؤال عما لو كان هذا التحالف باستطاعته الصمود حتى 2023، والتساؤل عن الفرضيات التي قد تؤدي إلى انهياره بالفعل.

منذ تصديق البرلمان التركي على قانون التحالفات الانتخابية عام 2018، والمشهد السياسي الداخلي قائم على تحالفين رئيسيين: تحالف الجمهور ويضمّ “العدالة والتنمية” الحاكم إلى جانب “الحركة القومية” و”الاتحاد الكبير”، مقابل تحالف الشعب المعارض الذي يضمّ حزب “الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة، إلى جانب حزب “الجيد”، وبصورة غير رسمية حزب “الشعوب الديمقراطي” المتهم بتبعيته لتنظيم PKK الإرهابي.

وكما هو معلوم فقد دخل هذان التحالفان الانتخابات البرلمانية والرئاسية في يونيو/حزيران 2018، التي أسفرت عن فوز “تحالف الجمهور” بـ344 مقعداً في البرلمان من جهة، وفوز مرشح هذا التحالف للرئاسة رجب طيب أردوغان من جهة أخرى. ولم يحظَ “تحالف الشعب” المعارض إلا بـ189 مقعداً في البرلمان، وخسارة مرشحه بالطبع محرم إنجة.

ما يجري الحديث عنه الآن، هو تقييم متانة تحالف الشعب المعارض، في ظل العديد من الملفات الشائكة بين “الشعب الجمهوري” و”الجيد”، لعل أبرزها هو العلاقة غير الرسمية أو من تحت الطاولة بين “الشعب الجمهوري” وحزب “الشعوب الديمقراطي”، التي يُعتقد أنها قد زادت في الآونة الأخيرة وباتت أكثر وضوحاً وعلانية.

ينطلق حزب “الجيد” من خلفية قومية، فمؤسِّسة الحزب ميرال أكشنار كانت حتى أواخر 2016 نائبة برلمانية بارزة ضمن حزب “الحركة القومية”، وحينما طُردت من الحزب اتجهت نحو تأسيس حزب جديد جله من منشقّين عن “الحركة القومية”، وهذا يعني بطبيعة الحال أن الطابع القومي لحزب “الجيد” يفرض عليه وضع مسافة مع حزب متهَم بالتعاون مع تنظيم إرهابي مثل “الشعوب الديمقراطي”.

وبما أن “الشعب الجمهوري” يركز بشكل كبير على أهمية التحالف مع “الشعوب الديمقراطي” لكسب أصواته في الانتخابات الرئاسية، فإنه يتسبب بشكل مباشر في إحراج حليفه “الجيد” ودفعه إلى التصريح مراراً وكشف موقفه من “الشعوب الديمقراطي”.

لذلك نسمع من وقت إلى آخر تصريحات من زعيمة “الجيد” أكشنار تؤكّد من خلالها أن حزبها ينظر إلى “الشعوب الديمقراطي” كما ينظر إلى تنظيم PKK الإرهابي، وأن حزبها لا يمكن أن يتحالف على الإطلاق مع هذا الحزب، لكن دون أن تدخل بالطبع في سجال مباشر مع حزب “الشعب الجمهوري” حليفها المهمّ.

وعلى الرغم من محاولة تحالف الشعب المعارض تأكيد متانة هذا التحالف وعدم وجود ما يعكّر صفوه، تُبرِز مؤشرات واضحة لا سيما مؤخراً، نقاط الخلاف بشكل جليّ، ونتحدث هنا عن موقف “الشعب الجمهوري” الصادم خلال التصويت على المذكرة الرئاسية التي طلبت من البرلمان التفويض لعامين إضافيين من أجل إرسال قوات عسكرية إلى سوريا والعراق.

ما جرى خلال التصويت في البرلمان التركي، هو أن “الشعب الجمهوري” صوّت ضدّ المذكرة على غرار موقف “الشعوب الديمقراطي”، أما حزب “الجيد” فقد صوت لصالح المذكرة على غرار “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية”، الأمر الذي أظهر الموقف المتناقض بين “الشعب الجمهوري” و”الجيد” إزاء قضية وطنية بامتياز تهدف إلى التصدي لخطر تنظيمات PKK الإرهابية قرب الحدود مع سوريا.

ولم يكتفِ “الشعب الجمهوري” بالتصويت ضدّ القرار فحسب، بل قال زعيمه كمال كليجدار أوغلو إن التصويت لصالح المذكرة الرئاسية يُعتبر “خيانة”، وهذا يعني بعبارة أخرى توجيه تهمة بـ”الخيانة” إلى حليفه حزب “الجيد”، فكيف ردّ الأخير إذاً؟

بالطبع وقع حزب “الجيد” هذه المرة بإحراج كبير، وربما غير مسبوق، وذلك بسبب موقف حليفه “الشعب الجمهوري” البعيد عن الطابع القومي من جهة، واتهام زعيم الأخير كليجدار أوغلو لحزب “الجيد” بالخيانة بطريقة غير مباشرة. وحينما حاول حزب “الجيد” أن يردّ سلك طريقة خجولة في الردّ بعيدة عن التصعيد، نافياً بالقطع إمكانية أن يصفه “عاقل” بالخيانة.

لماذا لا يتخذ حزب “الجيد” موقفاً صارماً إزاء “الشعب الجمهوري”؟

من المنطقي أن يتساءل المتابع عن سبب ضبابية موقف حزب “الجيد” مقابل جلاء موقف “الشعب الجمهوري”، سواء إزاء التحالف مع “الشعوب الديمقراطي” أو غير ذلك من المسائل.

والسبب الأساسي في ذلك هو أن حزب “الجيد” بما أنه غير منفتح على التحالف مع تحالف الجمهور الحاكم، فلا يفضّل البقاء وحيداً خارج تحالف الشعب المعارض، كما أنه يطمح بالفعل من خلال تحالفه مع “الشعب الجمهوري” إلى تحقيق مكاسب انتخابية تضمن له بقاءه في البرلمان من جهة، والحصول على مناصب في حال فاز تحالف الشعب في الانتخابات الرئاسية القادمة من جهة أخرى.

ولذلك فهو يلجأ دوماً إلى التصعيد مع “الشعوب الديمقراطي” بشكل يضمن له أمام الرأي العام، لا سيما شريحته ذات الطابع القومي، أن “الجيد” غير متصالح مع امتدادات سياسية لتنظيم PKK الإرهابي، لكن دون طعن بحزب “الشعب الجمهوري” وموقفه حيال هذه القضية أيضاً.

وما يمكن قوله هو أن هذا الموقف الذي يسير عليه حزب “الجيد” لا يبدو مقنعاً أمام الرأي العام في الحقيقة، بل يوقعه في دوامة وتناقض، وذلك لأن الشريحة القومية تسائل حزب “الجيد” عن سبب بقائه مع “الشعب الجمهوري” في ظلّ مواصلة الأخير تقاربه المتسارع مع “الشعوب الديمقراطي”، كما أن أنصار “الشعوب الديمقراطي” يهاجمون “الجيد” ويتساءلون عن نوع المعارضة التي يمارسها، وينعتونه بازدواجية المعايير.

هل يصمد تحالف الشعب المعارض إلى 2023؟

حتى الآن يحاول حزبا تحالف الشعب (“الشعب الجمهوري” و”الجيد”) الحفاظ ما أمكن على صلة الوصل التي تضمن لهما الاستمرار في التحالف حتى 2023، لهدف واحد يتمثل في التغلب على تحالف الجمهور والرئيس التركي أردوغان، لكن على الرغم من المحاولات الحثيثة لرسم هذا الطابع أمام الرأي العامّ، فإن أوجه الخلاف تستمرّ في الظهور على العلن بشكل أكبر مع مرور الوقت.

وهذا يعني بالتالي إمكانية أن يخرج الخلاف عن السيطرة في لحظة ما يشعر فيها حزب “الجيد” أن شعبيته في خطر، لا سيما بعد انشقاق العديد من نوابه البرلمانيين بسبب مسائل من هذا النوع، لكن على الأرجح أن يحدث ذلك فيما لو أقدم “الشعب الجمهوري” بشكل علني على شَهْر علاقته مع حزب “الشعوب الديمقراطي”، وفي هذه الحالة بالتأكيد لن يواصل “الجيد” هذا التحالف، وسيرجّح الانضمام إلى تحالف الجمهور، على البقاء مع “الشعوب الديمقراطي”.

أخيراً، فنحن نتناول هذا الموضوع وتَبقَّى أكثر من عام ونصف حتى يحين موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في منتصف 2023، وجرت العادة أن يحدث العديد من المفاجآت قُبيل الانتخابات خلال الحملة الانتخابية، فقد نشهد انشقاقات بوتيرة أكبر من حزب “الجيد” في ذلك الوقت، لا سيما مع استمرار “الشعب الجمهوري” في سلوك مواقف تزعج حزب “الجيد” وتحرجه.


مصدر الخبر :trt عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *