الجسور المعلقة.. 3 درر تزيّن البسفور وهمزة وصل الشرق بالغرب

الجسور المعلقة.. 3 درر تزيّن البسفور وهمزة وصل الشرق بالغرب

تبقى جسور إسطنبول المعلقة، “شهداء 15 يوليو”، و”السلطان محمد الفاتح” و”السلطان ياوز سليم”(سليم الأول/حكمه 1512-1520) بمثابة 3 درر تزين مضيق البسفور في إسطنبول.

كما أنها تربط بين قارتي أسيا وأوروبا، وتسهل عملية عبور ملايين المركبات بينهما بكل سلاسة ويسر.

وتعود فكرة الربط بين ضفتي إسطنبول إلى فترة ما قبل الميلاد، بهدف تسهيل الانتقال بين شطري المدينة التي لا زالت تحافظ منذ قرون على قيمها التاريخية، والسياسية، والتجارية، والثقافية.

وكانت هذه الفكرة أكبر حلم يراود الحضارات التي بسطت نفوذها وحكمت تلك المنطقة الجغرافية من العالم.

و اتخذت الخطوات الأولى لبناء الجسور في مضيق البوسفور مع بدء عملية التحضر السريع في إسطنبول بعد النصف الثاني من القرن العشرين، وما تبعها من كثرة المناطق السكنية، وازدياد موجات الهجرة، وحركة المرور.

جسر “شهداء 15 يوليو”، الذي كان يعرف من قبل باسم “البسفور”، افتتح أمام حركة المرور في 30 أكتوبر/تشرين أول 1973 بعد يوم واحد من احتفال البلاد بالذكرى الـ50 لتأسيس الجمهورية التركية، ليكون بذلك أول جسر يربط ضفتي المدينة.

وشهد حالة كبيرة من الجدل قبل إنشائه. سمي الجسر باسم “شهداء 15 يوليو” اعتبارًا من 26 يوليو/تموز 2016؛ تخليدًا لذكرى من لقوا حتفهم خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا في 15 يوليو من العام ذاته.

وبدأت عمليات إنشاء جسر “البسفور” في فبراير/شباط 1970، من قبل شركات بريطانية وألمانية. وتم افتتاحه عام 1973 من قبل الرئيس التركي آنذاك، فخري قوروترك(1924-1960).

ويبلغ طول المسافة بين برجيه على الضفتين 1074 مترًا، وعرضه 39 مترًا. يقع الجسر بين منطقتي أورطه كوي (على الجانب الأوروپي) وبكلر بكيي (على الجانب الآسيوي).

وهو جسر معلق مرتكز على ثقالة ومعلق بعمدان مائلة من الصلب، وارتفاعه عن مستوى الطريق 105 أمتار، وعن مستوى سطح البحر 64 مترًا.

عند تشييده تم استخدام 71 ألف متر مكعب من الخرسانة، و 4 آلاف طن من الفولاذ المقوى، و17 ألف طن من الفولاذ الهيكلي، و 6 آلاف طن من فولاذ الكابلات.

واكتمل تشييد جشر البسفور خلال 3 أعوام و8 أشهر، وبلغت تكلفته 23 مليون و213 ألف و666 دولارًا (ما يعادل بالعملة التركية حينها 191 مليون و785 ألف و265 ليرة)

الجسر في اليوم الأول له عبر من فوقه 24 ألف مركبة، واستمر طيلة 15 عامًا منذ إنشائه وحتى إنشاء الجسر الثاني، جسر “السلطان محمد الفاتح”، محل ثقة الجميع بكونه الرابط الوحيد بين شطري مدينة إسطنبول، الأوروبي والأسيوي.

ومن خلاله يتم الانتقال البري بين القارتين، لكن بداية من العام 1988 بدأ جسر “البسفور” يقوم بهذه المهمة مشاركة مع جسر “السلطان محمد الفاتح” الذي تم تدشينه في ذلك التاريخ.

وانضم إليهما جسر “السلطان ياوز سليم” في أداء هذه المهمة يوم 26 أغسطس/آب 2016.

ويعتبر الطريق المار من الجسر الأول، عصب وشريان إسطنبول النابض، وفي العام 2004، سجل الجسر مرور نحو 180 ألف مركبة يوميا، بحسب معطيات حكومية، في حين منعت الحافلات والشاحنات والمركبات الثقيلة من العبور في العام 1991، فيما منع المشاة من العبور فوق الجسر في العام 1987.

وجرى إغلاق الجسر أمام المشاة، بعد أول حالة انتحار حصلت بالقفز من فوقه إلى البحر عام 1974، كما يتم اقتطاع مبلغ بسيط من كل سيارة تعبر عن هذا الجسر.

وساهم بناء هذا الجسر بتسهيل حركة وانتقال السكان من القسم الأسيوي إلى الأوروبي وبالعكس، لكن مع الازدياد المضطرب لأعداد السكان في إسطنبول، أصبح هذا الجسر غير كافٍ، ولهذا قرر الأتراك بناء جسر آخر موازٍ له.

كما يستضيف الجسر الأول سنويا سباق الماراثون (الأوراسي) البالغ 42 كم، لتكون مرحلة عبور الجسر هي الأهم، حيث بدأ المارثون منذ العام 1979.

ويشارك فيه سنويا عشرات الآلاف من مختلف جنسيات العالم، أما عائدات الجسر فقد بلغت ما بين 2004 والعام 2013، مليارا و449 مليون دولار

** جسر “السلطان محمد الفاتح”

يقع جسر “السلطان محمد الفاتح” على بعد 5 كم شمالًا من جسر “شهداء 15 يوليو”، ويمتد بين نقطتي ارتكاز، الأولى في منطقة “حصار اوستو” بالجانب الأوروبي والثانية عند منطقة”قافاجيق” بالجانب الآسيوي.

ويضم برجان من الحديد الصلب تبلغ المسافة بينهما 1090 متر، ويرتفع البرجان عن مستوى الطريق العام نحو 105 أمتار, فيما تبلغ المسافة بين الجسر المعلق ومستوى سطح البحر 64 متر.

بدأ تشييد الجسر المذكور المعروف كذلك باسم “جسر البسفور الثاني”، في 29 مارس/آذار 1985، وانتهى في 29 مايو/أيار 1988، وافتتح في 3 تموز/يوليو من العام نفسه، من قبل رئيس الوزراء آنذاك، تورغوت أوزال (1983-1988 رئيسًا للوزراء/ 1989-1993 رئيسًا للجمهورية).

وبلغت كلفته 125 مليون دولار، وتمر فوقه المركبات بأربع مسارات ذهابا، ومثلها أيابا.

يذكر أن طول الجسر بالكامل يبلغ 1510 أمتار، بينما يبلغ عرضه 39.4 مترًا، أما ارتفاعه فيصل إلى 169 مترًا، وقد بلغت ميزانية تشييده بحسب إحصائيات القائمين عليه( 125) مليون دولار أمريكي.

وقاد رئيس الوزراء أوزال بنفسه سيارته الرسمية في افتتاح الجسر، لتكون أول سيارة تعبر الجسر الجديد.

فيما يعد جسر السلطان محمد الفاتح في الوقت الحالي، جزءا من طريق أنقرة (وسط)- أدرنة (غرب)، من ضمن الطريق الدولي الأوروبي السريع المعروف اختصار بـ”TEM”.

**جسر “السلطان ياوز سليم”

هو الجسر المعلق الثالث الذي يصل بين شطري ولاية إسطنبول، وجاء اسمه تخليدًا للسلطان سليم الأول تاسع سلاطين الدولة العثمانية.

ويعد أعرض جسر معلق في العالم، حيث يبلغ عرضه 59 مترًا، كما تعد أعمدته الأعلى في العالم، بارتفاع 322 مترًا.

ويحتوي على عشرة مسارات، 8 منها للسيارات، ومسارين للقطار السريع، ويرتفع عن سطح البحر 59 متر، وطول أبراجه يبلغ 322 مترًا.

وضع أساس الجسر في 29 مايو/أيار 2013، وهو التاريخ الذي يوافق الذكرى السنوية رقم 560 لفتح إسطنبول.

ولما يتمتع به من مميزات، يعتبر هذا الجسر علامة بارزة في تاريخ الهندسة التركية والعالمية.

ويمتد الجسر بين نقطتي ارتكاز الأولى في حي “غريبجه” بمنطقة “صاري ير” بالجانب الأوروبي، والثانية في حي “بويراز كوي” بمنطقة “بيكوز” بالجانب الآسيوي من إسطنبول.

اكتمل إنشاء الجسر خلال 27 شهرًا فقط بدلًا من 36 كما كان محددًا قبل بدء الإنشاء، ليتم افتتاحه من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في أغسطس 2016. وبلغت تكلفة إنشاؤه 3 مليارات دولار.

المركبات الخفيفة والثقيلة، وغيرها تمر من فوق هذا الجسر الذي ساهم بشكل كبير في تخفيف تكدس حركة المرور العابر في اسطنبول، والقضاء على تلوث الهواء، والمشاكل البيئية الناجمة عن حركة المرور.

ويُعرف جسر السلطان سليم أيضا، بأنه أطول جسر معلق مدعم بمسارات للسكك الحديدية في العالم، حيث يبلغ طوله 2164 مترا، والمسافة بين البرجين 1408 مترًا.

يمكن أن يصل طول حبال التعليق المائلة والكابلات الرئيسية والأسلاك الفولاذية المستخدمة في حبال التعليق، عند فردها إلى 124 ألفًا إلى 382 كيلومترًا. وهذا الطول يعادل الدوران حول العالم ثلاث مرات.

وأضفت جسور إسطنبول المعلقة لمسة رونق وجمال على المدينة الساحرة، فالسياح يقصدون مضيق البوسفور لركوب السفن التي تقودهم في جولات مائية تحت الجسور الثلاث.

كما أنّ الألوان المنبثقة ليلا منها وانعكاساتها على الماء، تأسر الألباب، وتسحر عيون كل من يزور المدينة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *