لماذا يعد الذكاء الاصطناعي السبب في إنشاء مجتمع مفكك؟

لماذا يعد الذكاء الاصطناعي السبب في إنشاء مجتمع مفكك؟

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن دور التكنولوجيا في الحياة البشرية، والخطر الذي يمثله عمالقة التكنولوجيا على الخصوصية الفردية من خلال سيطرتهم المطلقة على هذا المجال، من وجهة نظر جوزيف ستيجلز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد في سنة 2011.
وقالت الصحيفة، في تقريرها إن الباحث جوزيف ستيجلز يعتبر الذكاء الاصطناعي سلاحا ذا حدين، حيث إنه مع صعود التكنولوجيا، اعتقد المجتمع أنه سيتمتع بوفرة المال وربما، أيام عمل أقل.
في هذا الصدد، أعرب ستيجلز عن قلقه من بعض التحركات السيئة التي تقود إلى الاستغلال الروتيني لحياة البشر اليومية، والتي تسببت في تفكك المجتمعات اليوم أكثر من ذي قبل، بالإضافة إلى تهديدها لأساسيات الديمقراطية.
وقال ستيجلز: “لدى الذكاء الاصطناعي والأتمتة القدرة على زيادة الإنتاجية الاقتصادية، وربما جعل حياة الجميع أفضل، ولكن لن يتحقق ذلك إذا لم نحسن إدارتهما”.
وذكرت الصحيفة أن أندي هالدان، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، يدق ناقوس الخطر بسبب توسع رقعة القوى العاملة البريطانية التي تواجه خطر البطالة، نظرا لسيطرة الذكاء الاصطناعي وغيرها من تكنولوجيات الأتمتة على المزيد من الوظائف.
وفي الواقع، لا تكمن المشكلة في تراجع عدد الوظائف، كما حدث في الثورة الصناعية، ولكن في صعوبة الانتقال من وظيفة لأخرى.
وذكرت الصحيفة أن ستيجلز يميز بين الذكاء الاصطناعي الذي يعوض مواقع العمال، وذلك الذي يساعد الناس على إنجاز عملهم على أكمل وجه. فالذكاء الاصطناعي اليوم جعل من عمل الأطباء أكثر نجاعة.
وعلى سبيل المثال، أصبح استشاريو مرض السرطان في مستشفى أدنبروك في كامبريدج يقضون وقتا أقل في تخطيط العلاج الإشعاعي للرجال المصابين بسرطان البروستاتا، بفضل نظام ذكاء اصطناعي يسمى “العين الداخلية”.
في هذا السياق، أصبح الأطباء هناك يقومون بمعالجة المرضى بشكل أسرع، وأصبح المصابون يتلقون العلاج في وقت مبكر باستخدام العلاج الإشعاعي الذي يتميز بشدة دقته.
ولكن، بالنسبة لبعض المختصين الآخرين، تمثل التكنولوجيا تهديدا أكبر. ففي الوقت الراهن، أصبح أي نظام ذكاء اصطناعي مدرب بشكل جيد، قادرا على اكتشاف أورام الثدي وغيرها من أنواع السرطان بشكل أفضل من أطباء الأشعة.
وأفادت الصحيفة أن بعض الوظائف قد تستبدل بشكل كامل، وهي في الغالب تلك الوظائف التي تتطلب مهارات منخفضة، مثل وظيفة سائق الشاحنات والصراف وعمال مراكز الاتصال وغيرها من الوظائف.
ومرة أخرى، يرى ستيجلز في ذلك أسبابا تدعو إلى توخي الحذر بسبب انعكاسات هذا التوظيف على البطالة بشكل عام.
وذكرت الصحيفة أن هناك طلبا حثيثا لانتداب عمال غير ماهرين في التعليم والخدمات الصحية ورعاية كبار السن.
وفي هذا الإطار، قال ستيجلز: “إذا كنا فعلا نهتم بأطفالنا، وكبار السن، والمرضى، فسيكون هناك متسع لتخصيص أموال إضافية لهذه الفئات. وعندما يستحوذ الذكاء الاصطناعي على عدد من الوظائف التي لا تتطلب مهارة، فإنه يمكن تخفيف هذا الضرر على سوق العمالة من خلال انتداب كل هؤلاء في قطاعات الصحة والتعليم ورعاية المسنين، مع تمكينهم من أجور محترمة”.
وإلى جانب تأثير الذكاء الاصطناعي على التشغيل، أشارت الصحيفة إلى أن ستيجلز يرى أن هناك قوى خبيثة توظف كل هذا لصالحها؛ إذ يمكن لشركات التكنولوجيا المسلحة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، استخلاص المعلومات من البيانات التي تجمعها عنا عندما نقوم بالبحث والشراء والتواصل مع أصدقائنا على شبكة الإنترنت.
ويتم استغلال هذه البيانات على نطاق واسع لإيصال خدمات ورسائل ملائمة وتتماشى مع حالة كل فرد. ولكن هذه ليست إلا فرضية أولى، إذ إن هناك فرضية ثانية تفيد بأن هذه البيانات تستخدم ضدنا.
ونقلت الصحيفة عن ستيجلز قوله: “هذه الشركات العملاقة في مجال التقنية تثير العديد من المشاكل العميقة حول خصوصية المستخدمين، وقدرتها على استغلال الأشخاص البسطاء الذين لم يكونوا ظاهرين في المراحل السابقة من عصر الاحتكار.
وفي السابق، كانت الشركات تقوم برفع السعر بكل بساطة، ولكن الآن يمكنها استهداف أفراد بعينهم ومنحهم أسعارا معدلة، بناء على بياناتهم الشخصية”.
وذكرت الصحيفة أن أكثر ما يثير قلق ستيجلز هو خطر الجمع بين مجموعات البيانات لمعظم الشركات.
فعلى سبيل المثال، يمكن لتجار التجزئة الآن تتبع عملائهم عبر هواتفهم الذكية في أثناء تجولهم في المتاجر، كما يمكنهم جمع البيانات حول الأشياء التي تثير اهتمامهم. وأفاد ستيجلز أنه “في أثناء تفاعلاتك على غوغل وفيسبوك وتويتر وغيرهم، تقوم هذه المنصات بجمع الكثير من البيانات عنك.
وإذا تم جمع هذه البيانات مع بيانات أخرى، فإن هذه الشركات ستمتلك قدرا كبيرا من المعلومات عنك كفرد، أكثر من المعلومات التي لديك عن نفسك”.
وفي الختام، نقلت الصحيفة عن ستيجلز أنه “إذا لم نتمكن من تغيير الإطار العام المنظم للاقتصاد والسياسة، فإن ما نتجه إليه هو تعميق عدم المساواة في الأجور وزيادة الدخل وعدم المساواة في توزيع الثروة، وربما المزيد من البطالة، ومجتمعات أكثر انقساما.
ومن خلال تغيير القواعد، يمكن أن نصل إلى بناء مجتمع أكثر ثراء”.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *