كيف كانت السياسة الخارجية التركية في 2021 وكيف ستكون في 2022؟

كيف كانت السياسة الخارجية التركية في 2021 وكيف ستكون في 2022؟

شهد عام 2021 في السياسة الخارجية التركية تطورات مهمة على المستويين الإقليمي والدولي. وبشكل عام اتخذت تركيا خطوات ناجحة مقارنة بسنة 2020.

 

من بينها على سبيل المثال، المصادقة على اتفاقية باريس للمناخ وتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة، فضلاً عن دخولها في عملية تطبيع للعلاقات مع دول واجهت توترات معها في السنوات الماضية.

 

غير أن ملفات شائكة في السياسة الخارجية التركية منذ مدة طويلة بقيت دون تسويات نهائية، مثل منظومة الدفاع الروسية S-400 وأزمة شرق المتوسط ​​والحرب السورية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي لهذا السبب يُتوقّع التركيز أكثر على هذه المشاكل في عام 2022.

 

غلبت حالة من الركود بنسبة كبيرة على العلاقات التركية الأمريكية، التي كانت من أهم أجندات السياسة الخارجية التركية في عام 2021. وتواصلت التوترات المتعلقة بملف S-400 مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، كما طغى على المشهد أجواء سلبية بسبب الموقف غير الإيجابي للكونغرس إزاء تركيا.

 

والمثال الأبرز على هذا المنحى تمثل في استخدام بايدن تعبير “الإبادة الجماعية للأرمن” في بيانه الصادر في 24 أبريل/نيسان 2021 حول أحداث 1915.

وقد تمكن الرئيس رجب طيب أردوغان خلال لقاءاته الثنائية مع بايدن في النصف الثاني من 2021 من شرح وجهات نظر ومقاربات تركيا حول نقاط الخلاف بين الجانبين، لا سيّما قضية S-400، إلا أن الولايات المتحدة لم تتخذ بعد الخطوات الملموسة التي تنتظرها تركيا في هذا الصدد. وخلال اجتماعهما على هامش قمة مجموعة العشرين في أكتوبر/تشرين الثاني 2021، قرر أردوغان وبايدن تشكيل آلية مشتركة لتعزيز العلاقات التركية الأمريكية وتطويرها. وعلى هذا النحو يُتوقع أن تسهم هذه الآلية في زيادة حجم التجارة بين البلدين ومواصلة العلاقات في صورة أكثر سلاسة، رغم عدم إحراز تقدم ملموس في قضايا مثل S-400، وسوريا، وتنظيم PYD/YPG الإرهابي.

 

المملكة المتحدة كانت دولة أخرى أحرزت تركيا معها تقدماً في العلاقات الثنائية والتجارية. فقد وقعت تركيا في 29 ديسمبر/كانون الأول 2020 اتفاقية تجارة حرة مع بريطانيا، ومع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في عام 2021، نجحت تركيا في الوقوف أمام أي خسائر اقتصادية محتملة من مغادرة المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي بل وحققت عبر الاتفاقية مكاسب جديدة.

 

وعلى عكس الوضع مع المملكة المتحدة، اتسمت علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي بصورة سلبية. فقد ناقش الاتحاد الأوروبي في عدة اجتماعات بالشهور الأولى من 2021، مسألة فرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطتها للتنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط​​، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوة سلبية في هذا الصدد.

ومع ذلك، أبقى الاتحاد الأوروبي بشكل متواصل التطورات السياسية في الساحة الداخلية التركية على جدول أعماله. خاصة في الربع الأخير من العام، إذ تسبب تركيز الدول الأوروبية على قضية عثمان كافالا المحبوس في تركيا على خلفية عدة قضايا، في إشعال أزمة خطيرة بين الجانبين. فأصدرت سفارات الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وفرنسا وألمانيا وهولندا والسويد والنرويج والدنمارك وفنلندا بياناً مشتركاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي في 18 أكتوبر/تشرين الأول، طالبت فيه تركيا بإنهاء احتجاز كافالا.

 

واعتبر كبار المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم الرئيس أردوغان هذه الخطوة تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلاد. وأعلن أردوغان أنه أصدر تعليمات لوزارة الخارجية بإعلان سفراء الدول العشر “أشخاصاً غير مرغوب فيهم”. وإثر ذلك تراجعت هذه السفارات، خاصة الولايات المتحدة، وأكدت أنها ستحترم المادة 41 من اتفاقية فيينا، التي تنص على عدم تدخل البعثات الدبلوماسية في الشؤون الداخلية في الدول المضيفة.

كما كانت قضية اللاجئين من الملفات الأخرى التي تناولتها العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي. فقد استمرت عملية تقديم المساعدات الإنسانية للاجئين في إطار اتفاقية إعادة القبول الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار 2016، غير أن تركيا أعربت في أكثر من مناسبة عن ضرورة إنشاء منطقة آمنة في سوريا وبحث عودة اللاجئين.

 

ومن المتوقع أن تبقى هذه القضية من بين الملفات المهمة على جدول أعمال تركيا في عام 2022 أيضاً. فمع مصادقة البرلمان التركي على مذكرة تسمح بإبقاء قوات تركية في سوريا لمدة عامين في أكتوبر/تشرين الأول 2021، أكدت تركيا أنها ستواصل دورها المهم في سوريا في السنوات المقبلة أيضاً.

 

وفي عام 2021، طبّعت تركيا إلى حد ما علاقاتها مع بعض الدول التي واجهت معها مشاكل في السنوات الأخيرة. فرغم استمرار التوتر مع اليونان حول قضية شرق المتوسط، إلا أنه تم اتخاذ خطوات مهمة من أجل الحوار. واستُأنفت الجولة الحادية والستين من المباحثات الاستكشافية بين تركيا واليونان، حول الوضع في بحر إيجة. وكانت آخر المحادثات حول هذا الشأن أجريت في عام 2016. وفي هذا الإطار اقترحت تركيا عقد “مؤتمر شرق المتوسط” ​​لبحث سبل حل الخلافات القائمة بين دول المنطقة. ولا شك أن تركيا تولي أهمية خاصة للحفاظ على مكتسباتها في شرق المتوسط ​​، فقد حققت مكسباً مهماً عبر توقيعها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا بشكل قانوني، وعبر هذه الاتفاقية تمكنت من رسم حدودها البحرية.

 

ورغم عدم إحراز تطور إيجابي على صعيد التوتر مع اليونان والقضية القبرصية، فإن الجهود المبذولة في إطار التسوية القائمة على حل الدولتين في الجزيرة ازدادت مع انتخاب إرسين تتار رئيساً لجمهورية قبرص التركية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

 

كما أن الإمارات العربية المتحدة تُعد من الدول التي اكتسبت العلاقات التركية معها زخماً في 2021. فبعدما كانت العلاقات بين الجانبين متوترة في 2020، دخلت في أجواء معتدلة في عام 2021. ومع انتهاء الأزمة الخليجية في قمة العلا الخليجية بالسعودية في يناير/كانون الثاني 2021، ورفع الحصار المفروض على قطر، أهم حليف لتركيا في المنطقة، أتيحت الفرصة أمام أنقرة لإقامة حوار جديد مع دول المنطقة. وخلال زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أُبرمت اتفاقيات تشمل استثمارات مباشرة في 9 مجالات بين تركيا والإمارات.

 

مصر أيضاً كانت دولة أخرى طبعت معها تركيا العلاقات الثنائية في 2021. فالعلاقات بين الجانبين التي كانت في وضع متأزم منذ 2013، دخلت في عملية تطبيع عبر محادثات دبلوماسية بين البلدين، وأكدت أنقرة والقاهرة على أن هذه العلاقات ستتحسن في الفترة المقبلة.

 

وعلى هذا النحو، أقدمت تركيا في 2021 على خطوات فعالة في سياستها الخارجية وحققت مكاسب من خلال تطبيع علاقاتها بشكل كبير مع بعض الدول التي كانت لديها توترات معها. وعلى الرغم من عدم وجود تطورات ملموسة بسبب الديناميكيات الحالية في ملفي S-400 وسوريا، وهما من بين أكثر مواضع المشاكل الأساسية في السياسة الخارجية التركية، إلا إنه يمكن اعتبار عدم وجود صورة أكثر سلبية على أنه مكسب في حد ذاته.

 

فتركيا حافظت أيضاً على موقفها المبدئي في سياستها الخارجية. وكان أكثر انعكاس ملموس على ذلك هو الدعم الذي قدمته لأذربيجان في حرب كاراباخ ضد الاحتلال الأرميني. كما أنه من المهم الإشارة إلى أن تبني تركيا خطاباً جديداً حول تغير المناخ والقضايا البيئية مثل المصادقة على اتفاقية باريس، يلقى أيضاً مردوداً إيجابياً. وفي ضوء كل ما سبق، يُتوقع أن تتبع السياسة الخارجية التركية مساراً أكثر إيجابية في عام 2022، وستظهر أكثر الانعكاسات الملموسة للخطوات الإيجابية في العلاقات الثنائية مع مختلف الدول.


مصدر الخبر :TRT عربي الكاتب :حزال دوران

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *