صراع الطاقة والمياه.. هل تردع الطاقة النووية حروب المياه المستقبلية؟

صراع الطاقة والمياه.. هل تردع الطاقة النووية حروب المياه المستقبلية؟

 

مع كثرة التخوّفات التي تُنذر بحدوث صراعات مستقبلية يكون دافعها الرئيسي السيطرة على مصادر المياه في ظلّ شحّ المياه العذبة في كثير من الدول حول العالم، يرى كثيرون أنّ الحلّ يكمن في الطاقة النووية من خلال توظيفها في عملية تحلية مياه البحار الوفيرة.

 

أواخر شهر يوليو/تموز الماضي نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية تقريراً تحت عنوان “حرب المياه الأولى قد اقتربت بشكل غير مريح”، حيث رأى الكاتب روجر بويز في مقاله أن ّالجفاف والهجرة والتغييرالمناخي عوامل تهدد بأعمال عدائية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

وبحسب دراسة أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرّية في وقت سابق، وجد أن نحو 2.3 مليار نسمة حول العالم يعيشون في مناطق فقر مائي، وأن بينهم نحو 1.7 مليار يبلغ نصيب الفرد منهم من المياه العذبة أقلّ من ألف متر مكعّب طوال العام الواحد.

 

وفي ظلّ التغيّر المناخي الحادّ وشحّ المخزون المائي العذب في العالم وعدم كفاية المياه الصحية المعالجة لسدّ العجز، بدأت العديد من الدول الاستعداد لتوظيف الطاقة النووية من أجل توليد الكهرباء والهيدروجين والطاقة الحرارية اللازمة لتحلية مياه البحار بتكلفة قليلة، خصوصاً وأنّ المياه العذبة تُشكّل الركيزة المحورية للتنمية، وتمنع كثرتها اندلاع حروب مياه تأتي على الأخضر واليابس.

 

حروب المياه

 

على مدار التاريخ نشبت نزاعات وحروب لأسباب عديدة كانت المياه جزءاً منها ومصدراً خفياً في إشعالها، لكن اليوم تغيّرت الأمور بشكل مختلف كلياً وبات العالم قريباً جداً من حروب وصراعات تكون المياه السبب الرئيسي والوحيد في اندلاعها.

 

وبالرجوع إلى المقال الذي نشرته “التايمز”، يُشير بويز إلى أنّ الخلافات حول طريقة تخصيص مياه الأنهار الكبرى في العالم مثل النيل والفرات وغيرها الكثير حول العالم لطالما كانت مستعرة منذ قرون لكنّها لم تصل إلى حدّ قيام حرب شاملة. ليعود وينبّه إلى أن تغيّر المناخ وارتفاع درجة حرارة البحار وتقلّبات الطقس الشديدة التي ينتج عنها التصحّر أو الفيضانات قد تؤدي إلى الاقتراب من أول حرب مياه مباشرة منذ أيام بلاد ما بين النهرين القديمة.

 

وخلال مؤتمر المناخ “كوب 26” الذي عُقد في مدينة غلاكسو الأسكتلندية بداية الشهر الجاري، كُشفت دراسة حديثة توقّعت أن يشهد عام 2030 عجزاً في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح بنسبة 29%، ما يعني أنّ العالم لا يتحرّك بسرعة كافية لعلاج مشكلة تغيّر المناخ، والحدّ من ارتفاع درجة حرارة الأرض.

 

ووفقاً لدراسة أخرى أجراها فريق من العلماء من مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية (JRC)، أكد خلالها الباحثون أنّ العامِلَين المسيطرَين اللذين قد يقودا إلى حروب مياه في العقود القادمة، هما تغيّر المناخ وزيادة الكثافة السكانية، واعتقدوا أنّ آثار هذين العاملين يمكن أن تزيد من احتمال حدوث نزاعات مرتبطة بالمياه بنسب تتراوح بين 75% و95% خلال الـ50 إلى 100 عام المقبلة.

 

تحلية المياه باستخدام الطاقة النووية

 

على الرغم من وجود العديد من المحطات الخاصة بتحلية المياه حول العالم، لكنّ هذا لا يعني أن تكلفة تحلية مياه البحار رخيصة، بالعكس فهي باهظة جداً، نظراً لأنّ عمليات التحلية تتطلب كميات هائلة من الطاقة الكهربائية أو الحرارية أو كليهما مجتمعين.

 

وتُعدّ الطاقة عنصراً أساسياً في حساب تكلفة المياه المحلّاة، حيث تصل مساهمة الطاقة أكثر من 60% من إجمالي تكلفة المياه المحلّاة في محطات التحلية التقليدية العاملة بالوقود الأحفوري الذي يعمل على زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

 

ووفقاً لبيانات صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، فإنّ عدد محطات التحلية التقليدية في العالم يتجاوز أكثر من 50 ألف محطة، أكثر من نصفها في دول الشرق الأوسط.

 

واليوم هناك نحو 150 محطة تحلية نووية في العديد من الدول، وأهمها كازاخستان واليابان والهند. وإذا أخذنا كازاخستان كمثال نجدها قد ربطت مفاعلها الوحيد من نوع المفاعلات السريعة المنجبة بقدرة 135 ميغاوات بوحدة تحلية مياه بقُدرة 80 ألف متر مكعب في السنة من المياه المحلاة.

 

من جانبها، تدرس بعض الدول الخليجية تحلية المياه باستخدام الطاقة النووية، وذلك من خلال بناء مفاعلات نووية صغيرة ومتوسطة الحجم وربطها مع تقنيات التحلية النووية الحرارية، ومن شأن هذه المفاعلات أن تُصمّم وتُبنى لأغراض مزدوجة، الأولى للعمليات التحلية التي تعتمد على الطاقة الحرارية بجانب توليد الكهرباء المركبة.

 

الطاقة النووية والمناخ

 

يوجد اليوم حول العالم قرابة 450 مفاعلاً نووياً قيد التشغيل في 30 بلداً ينتجون نحو 11% من الطاقة الكهربائية المستخدمة على مستوى العالم.

 

وطوال السنوات الماضية طوّرت تكنولوجيا المفاعلات النووية لتكون حلاً منخفض الكربون، وقُدّمت إلى العالم كمصدر للطاقة يُساعد في التغلّب على تحدّي “الطاقة-المناخ” الثنائي على النحو المُبيّن في اتفاق باريس، والذي اتفق علية 190 بلداً في عام 2015 في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ الناتج عن ارتفاع درجات حرارة الأرض بسبب انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي تُساهم قطاعات الطاقة بأكثر من ثُلثها.

 

وبإمكان الطاقة النووية اليوم مواصلة دورها في تعزيز التنمية المستدامة من خلال توفير الطاقة اللازمة للأعداد المتزايدة من السكان والمصانع. ويمكنها أن تحقق ما سبق بتأثير أصغر على المناخ والبيئة عند المقارنة بمعظم أشكال الطاقة المركّبة من مصادر أحفورية تقليدية.

 


مصدر الخبر :TRT عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *