ذكرى وفاتها الـ57.. ماذا تعرف عن روائية حرب استقلال تركيا

ذكرى وفاتها الـ57.. ماذا تعرف عن روائية حرب استقلال تركيا

في الذكرى 57 لوفاتها، تستذكر وكالة الأناضول بكل مشاعر الشكر والعرفان، الأديبة التركية “خالدة أديب أديوار”، التي عرفت إبان حرب الاستقلال بـ”الأونباشي” (العريف)، والتي كان لها مساهمات كبيرة في تأسيس الوكالة.

تحتل أديوار، التي وافتها المنية بمدينة إسطنبول في 9 يناير/ كانون الثاني 1964، مكانة مهمة في الأدب التركي، إذ تعتبر أول روائية كتبت عن حرب الاستقلال التركية (1919 – 1923).

ولدت الأديبة في حي “بشيكطاش” بإسطنبول عام 1884، حيث كان والدها “محمد أديب بيك” السلانيكي، يعمل أحد كتاب الخزينة السلطانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.

وخلال طفولتها، فقدت أديوار والدتها فاطمة بدريفم هانم، وأمضت سنوات الطفولة في بيت جدتها وجدها اللذان حرصا على تربيتها وتعليمها، ثم التحقت بالمدرسة الثانوية الأمريكية للبنات في “أوسكودار” بإسطنبول عام 1893، لكنها اضطرت لترك الدراسة بعد عام واحد.

تلقت أديوار دروسا خاصة في اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية على يد ثلة من أفضل المدرسين بإسطنبول، وبتشجيع من مدرس اللغة الإنجليزية قامت بترجمة كتاب “الأم” (Mother) للعالم الأمريكي “جون أبوت”، الذي كان سببا في حصولها على “وسام الرحمة” من السلطان عبد الحميد الثاني.

التحقت أديوار مرة أخرى بالمدرسة الثانوية عام 1899 وأنهتها عام 1901، وفي العام نفسه، تزوجت بمدرس الرياضيات صالح زكي بيك، وأنجبت طفلين هما آية الله وحكمة الله توغو، حيث كان فرحها بانتصار اليابان على روسيا في الحرب سبببا لتسميتها أحد أبنائها باسم قائد القوات البحرية اليابانية الأميرال توغو هاياتشيرو.

بدأت أديوار في نشر مقالات بتوقيع خالدة صالح في صحيفة “طنين” العثمانية، التي كان يديرها الأديب توفيق فكرت، وبعد فترة واصلت النشر في عدة صحف ومجلات مثل “يكي طنين”، و”شهبال”، و”مصور”، و”محيط”، و”محاسن”، و”رسيملي رومان” (روايات مصورة).

كانت أديوار تتلقى تهديدات بسبب كتاباتها، وخلال أحداث 31 مارس/ آذار 1909 خشيت على حياتها فسافرت إلى مصر، قبل أن ترجع إلى إسطنبول في العام نفسه لمواصلة الكتابة.

وفي عام 1910 انفصلت عن زوجها صالح زكي، وعملت معلمة بمدارس البنات ومفتشة بمدارس الأوقاف بتكليف من سعيد بيك، ناظر المعارف (وزير التعليم) آنذاك.

وشكلت الأحياء الفقيرة بإسطنبول مصدر إلهام للأديبة في تلك الفترة، لتأليفها رواية “سينكلي بقال” (بقال الذباب)، كما تأثرت بكتابات الأديبين والمنظرين التركيين ضياء كوك ألب، ويوسف آقجورا.

وإبان حرب البلقان، أسست أديوار جمعية “ارتقاء النساء” (Teali-i Nisvan)، بهدف زيادة نسبة المتعلمات من النساء وتمكين دور المرأة في المجتمع العثماني، وبتكليف من جمال باشا (قائد عثماني) سافرت إلى سوريا بهدف تنظيم المدارس في بيروت ودمشق.

وفي عام 1917، تزوجت أديوار من عدنان أديوار بتوكيل أرسلته إلى والدها بينما كانت لا تزال في سوريا. وفي العام نفسه، كتبت رواية “حكم موعود” وأول مسرحية لها “رعاة كنعان”، وخلال الفترة من 1918 إلى 1919 تولت تدريس مادة الأدب الغربي بمدرسة دار الفنون في إسطنبول.

شاركت أديوار كخطيبة في المؤتمرات الجماهيرية التي نُظمت بأحياء “الفاتح” و”السلطان أحمد” و”أسكودار” في إسطنبول عقب احتلال إزمير من قبل القوات اليونانية عام 1919 (الحرب العالمية الأولى).

وكان وقع كلماتها في نفوس الجماهير مؤثرا للغاية، لا سيما التجمعات التي جرى تنظيمها آنذاك في ميدان السلطان أحمد. كما ساهمت الأديبة ومن خلال كتاباتها في الصحف والمجلات مثل “بويوك مجموعة” و”وقت”، في تعزيز الروح المعنوية لمقاومة قوات الاحتلال (الحلفاء في الحرب العالمية الأولى).

** “الأناضول” ستحرر الوطن من قوات الاحتلال

في تلك السنوات، شاركت أديوار، في أعمال تهريب السلاح إلى منطقة الأناضول، وانتقلت عام 1920 مع زوجها إلى هناك، حيث بدأت بالفعل مرحلة الكفاح الوطني.

في الأناضول، التقت أديوار، مع الصحفي التركي يونس نادي (مؤسس صحيفة الجمهورية)، حيث ظهرت فكرة تأسيس وكالة أنباء لنقل أخبار معارك حرب الاستقلال.

ويقول يونس نادي، عن هذا الحديث الذي دار بينهما في محطة قطارات “آقحصار” (غربي تركيا): “لم تكن السيدة خالدة تشتكي من تعب الرحلة ومشقة السفر، كانت كأنما لو خرجت في نزهة، كانت تتحدث دائما عن العمل، كانت سيدة مجتهدة”.

ويضيف نادي أن فكرة تأسيس وكالة أنباء ظهرت حينذاك، مشيرا إلى أنهما تحدثا عن مراحل تأسيس الوكالة وعن اقتراحات لاسمها، وكان من ضمن هذه الاقتراحات “وكالة تركيا” و”وكالة أنقرة” و”وكالة الأناضول”.

ويلفت يونس نادي إلى أن أديوار تحمست لاسم وكالة الأناضول قائلة: “الأناضول ستحرر نفسها أولا ثم ستحرر كامل تراب الوطن، لذلك فلنقرر أن يكون اسم الوكالة هو وكالة الأناضول”.

** تأسيس الأناضول بقرار من الرئيس المؤسس أتاتورك

في عملها المسمى “اختبار الأتراك بالنار”، تحدثت أديوار عن لقائها في 5 أبريل/ نيسان 1920 مع مصطفى كمال باشا (أتاتورك) في أنقرة.

وقالت: “تحدثت مع مصطفى كمال باشا عن الحوار الذي دار بيني وبين يونس نادي حول تأسيس وكالة للأنباء، وذكرت أننا تحدثنا عن بدأ العمل لتأسيس وكالة أنباء باسم وكالة الأناضول لنقل تطورات وأنباء حرب الاستقلال وإبلاغها لكافة نقاط التلغراف في الوطن وبالتالي إلى المساجد”.

وتابعت: “إضافة إلى ذلك، كان من المهم الحصول على تغطية أهم الصحف الإنجليزية والفرنسية لمجريات الحرب، لفهم كيف يفكر العالم، وبعد أن اتفقنا حول هذه النقطة، طلبت آلة كاتبة ووعدني مصطفى كمال باشا بأنه سيوفرها من البنك العثماني”.

واستطردت: “عقب هذا اللقاء وفي 6 أبريل (نيسان) 1920، تم تأسيس وكالة الأناضول، وتم إعلان تأسيس الوكالة بالقرار التاريخي الذي أرسله مصطفى كمال إلى كل أرجاء البلاد التي اندلعت فيها شرارة الكفاح الوطني”.

** معركة صقاريا

قامت أديوار بمساعدة يونس نادي في تأسيس صحيفة “سيادة الشعب” (Hakimiyet-i Milliye) في أنقرة، كما قامت بترجمة الصحف الأجنبية إلى التركية العثمانية، وتولت رئاسة فرع الهلال الأحمر في أنقرة.

وخلال معركة “صقاريا” (شمال غرب)، جرى ترقية أديوار إلى رتبة عريف، كما شاركت بين عامي 1921 و1922 في لجنة تدقيق المظالم وأعدت تقريرا عن الأضرار والمظالم التي تسبب بها الجيش اليوناني أثناء انسحابه من إزمير.

وفي نهاية الحرب، جرى ترقية أديوار إلى رتبة “جاويش” (رقيب)، حيث قامت في تلك الفترة، واستنادا إلى الأحداث التي عايشتها، بتأليف روايتها “قميص من نار” وكتاب القصص “الذئب الذي صعد الجبل”.

وعقب إعلان قيام الجمهورية التركية، واصلت أديوار حياتها الأدبية بالكتابة في عدة صحف ومجلات مثل “آقشام”، و”دركاه”، و”إقدام”، و”وقت”، و”تلغراف”.

وبعد انتهاء فترة الكفاح الوطني، نشبت خلافات سياسية بين حكومة عصمت باشا (إينونو) وبين جماعة “الحزب التقدمي الجمهوري”، الذي كان عدنان أديب أديوار (زوج الأديبة) من ضمن مؤسسيه، وتم إغلاق الحزب لذا اضطرت أديوار لمغادرة تركيا مع زوجها عام 1925.

عاشت أديوار خارج تركيا لمدة 14 عاما حتى عام 1939، وخلال تلك الفترة، كانت تلقي دروسا في الجامعات البريطانية وتشارك في المحاضرات والمؤتمرات الأدبية في كل من المملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة.

في عام 1935، سافرت أديوار إلى الهند لدعم حملة تأسيس الجامعة الوطنية الإسلامية، وعام 1940 بدأت بتدريس مادة الأدب الإنجليزي في جامعة إسطنبول، وتم انتخابها على قائمة “الحزب الديمقراطي” نائبة عن ولاية إزمير عام 1950، قبل أن تستقيل من الحزب المذكور والبرلمان عام 1954 لتعود إلى التدريس في الجامعات التركية.

وفي السنوات الأخيرة من عمرها، تفرغت تماما للكتابة الأدبية ودونت مذكراتها في كتاب بعنوان “المنزل ذو الأغصان الأرجوانية”.

توفيت الأديبة في 9 يناير/ كانون الثاني 1964 عن عمر يناهز 82 عاما، ووريت الثرى بمقبرة “مركز أفندي” في إسطنبول.

** روائية الحرب الوحيدة في تركيا

امتدح العديد من الشعراء والأدباء الأتراك خالدة أديب أديوار، وعلى رأسهم الروائي بيامي صفا الذي قال عنها إنها “روائية الحرب الوحيدة في تركيا”، ووصفها الشاعر نجيب فاضل، بأنها “فخر للمرأة التركية”، وقال عنها شريف مارديني، إنها “شعلة الأدب العثماني”.

خلفت أديوار، العديد من الأعمال الهامة منها روايات، “هيولا”، “خاندان”، “يني طوران”، “الحكم الموعود”، “قميص من نار”، “ابن زينو”، “بقال الذباب”، “تتارجيك”، “المرآة الدوارة”، “عقيلة هانم”.

وكتبت مذكرات مثل “المنزل ذو الأغصان الأرجوانية”، و”اختبار الأتراك بالنار”، ومسرحيات مثل “القناع” و”رعاة كنعان” و”الروح”، كما ترجمت العديد من الأعمال الأدبية العالمية من الإنجليزية إلى التركية مثل رواية “مزرعة الحيوان” لجورج أرويل، و”هاملت” لشكسبير.


مصدر الخبر :الأناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *