جهود الدولة التركية في مواجهة التضخم وانخفاض سعر الليرة.. ماذا سيحدث؟

جهود الدولة التركية في مواجهة التضخم وانخفاض سعر الليرة.. ماذا سيحدث؟

من الواضح أن الإدارة التركية حسمت أمرها تجاه معدل الفائدة، الأمر الذي تأكد بعد التصريح الأخير للرئيس أردوغان حول استمرار مكافحته لأضرار معدل الفائدة المرتفع ما بقي في السلطة.

 

وأكد ذلك أيضاً، قرار البنك المركزي الأخير خفض سعر الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، وهو القرار الذي ساهم في استمرار الانخفاض الحادّ لليرة، والذي بات لا يعرف تحديداً القاع الذي سترسو عليه.

 

ومن البديهي كذلك أن الانخفاض الحاد لسعر الليرة سيؤجج معدل التضخم، الذي يعاني من موجة عاتية من الارتفاع المستمر خلال الأشهر الماضية، حتى أوشك أن يبلغ 20%، ليضغط بقوة على المواطن التركي الذي يئنّ من ضغط تكاليفه المعيشية في ظرف ربما لم يواجهُّ منذ عقدين كاملين من الزمان.

 

وعلى الرغم من أن موجة التضخم في تركيا هي جزء، ونسبياً نتيجة، من موجة تضخم عالمية، بلغت ذروتها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتين حقّقتا أرقاماً قياسية للتضخم لم تشهداها منذ عدة عقود سابقة، فإن موجة التضخم التركية كانت أكثر عنفاً وتأثيراً على المواطن التركي بعد الانخفاضات المتتالية لقيمة الليرة، وهو الأمر الذي يجعل للحالة التركية خصوصية مرحلية، تحتّم اتخاذ حزمة من الإجراءات والبرامج التي تساند المواطن التركي في هذه المواجهة الصعبة.

 

وبعيداً عن التجاذبات حول مؤامرات المضاربة العالمية في الليرة التركية، وعدم رضا الفاعلين الرئيسيين في النظام المالي العالمي حول التوجه التركي بمحاربة سعر الفائدة، والذي ربما يشكّل من وجهة نظرهم عدوى يجب وقفها قبل انتقالها وتطبيقها في دول أخرى، وبعيداً كذلك عن التخمينات الرائجة، التي ترى سعي الإدارة التركية لاقتناص موضع جديد في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي بات يتشكّل بعد تداعيات فيروس كورونا، وأن انخفاض الليرة المتعمد يسرّع حركة الصادرات والسياحة التركية، وهو ماحدث فعلياً خلال الفترة الأخيرة، فإنه من الواجب فتح أبواب النقاش الواسعة حول واجبات الدولة التركية تجاه مواطنيها في هذا الظرف شديد الحساسية والصعوبة.

 

أحسن الرئيس أردوغان بالتصريح حول التفكير بهذه المواجهة، وأن التعويض الأول في هذه المواجهة يكون عبر زيادة معتبَرة في الحد الأدنى للأجور ومساعدة المواطنين الأكثر تضرُّراً لتقليص الأضرار السلبية عليهم جراء الانخفاض المتواصل لليرة، الذي اتضح من حديث الرئيس أنه متوقَّع، ولكن من المؤكد أن القضية تحتاج إلى المزيد من الإجراءات.

 

ربما لم يلحظ الكثيرون إرهاصات الإجراءات التي بدأت فعلياً خلال الأسابيع الماضية، والتي كان من بينها فرض مجلس الرقابة التركية غرامات باهظة بلغت 2.7 مليار ليرة على مجموعة من السلاسل الكبرى لتجارة التجزئة في إسطنبول، وجاءت العقوبة بعد الانتهاء من التحقيق الذي أطلقه مجلس المنافسة لفحص سلوك التسعير لسلسلة المتاجر والموردين المشاركين في تجارة التجزئة للأغذية ومنتجات التنظيف في أثناء عملية الوباء، والذي انتهى إلى رفعها الأسعار على المستهلكين والتلاعب بالتسعيرة الرسمية لعدد من المنتجات.

 

وجاء ذلك بعد سلسلة من حملات التفتيش التي أجرتها وزارة التجارة لمتابعة قنوات التوريد من المنتج إلى المستهلك، وللتحقق من الشكاوى في الزيادة المفرطة في الأسعار لا سيما في أسعار المنتجات الزراعية.

 

كما قررت الحكومة التركية في الآونة الأخيرة زيادة الدعم الزراعي من 12.9 مليار ليرة في عام 2017 إلى 25.8 مليار ليرة لعام 2022، وطبقا لوزير الزراعة والغابات التركي فإن تركيا تحتلّ المرتبة الأولى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث نسبة الدعم الزراعي.

 

وشملت إرهاصات إجراءات مواجهة الدولة التركية لزيادة الأسعار كذلك قرار مجلس الوزراء بإلغاء رسم ثابت بنسبة اثنين بالمئة على فواتير الكهرباء يذهب لتمويل هيئة الإذاعة والتليفزيون الحكومية TRT، ورسم آخر بنسبة واحد في المئة، وأكد الرئيس أردوغان أن “تطبيق القرار سيكون بلا عرقلة لميزانيات الشركات في قطاع الطاقة أو التضحية بمواطنينا، فإننا سنواصل ترويض أزمة الطاقة العالمية هذه”.

 

كما صرح مسؤولون أتراك لوكالة رويترز بأن “أنقرة تجهز حزمة دعم مالي لمساعدة الأسر الأقلّ دخلاً من خلال إجراءات مثل رفع الحد الأدنى للأجور وتخفيف عبء تكاليف الطاقة وزيادة رواتب بعض العاملين بالقطاع العامّ”، وفي ذات الإطار أعلنت دريا يانيك، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية، أن ميزانية تركيا لعام 2022 تشمل تخصيص نحو 104.2 مليار ليرة لدعم المواطنين في البلاد، وأوضحت أن حصة المساعدة الاجتماعية في الميزانية زادت 5 أضعاف على ذي قبل، ولفتت إلى أنه ضمن نطاق برنامج الدعم الاجتماعي للأسرة، تم الوصول إلى 3 ملايين و468 ألف أسرة حتى الآن.

 

تمثّل الإجراءات السابقة وغيرها من الإجراءات التي قد تكون قيد الدراسة حالياً إجراءات واجبة في إطار خطط التدخل الحكومي السريع لمواجهة نزف الليرة وتآكل القوة الشرائية لدخول المواطنين، ويتبقى أمران ربما كلاهما شديد الخطورة على المواطن التركي ويجب لفت الانتباه لأهميتهما، أولهما هو تضاعف القيم الإيجارية للمساكن في ولاية إسطنبول خلال ثلاثة الأشهر الماضية، ورغم أنه خاصّ بالولاية الكبرى حتى الآن فإنه من المتوقع أن تنتقل العدوى إلى ولايات أخرى، وهو الأمر الذي يحتّم اتخاذ إجراءات فاعلة لدعم المواطنين للاحتفاظ بمساكنهم.

 

فمع أهمية الإشارة والتنويه بعدم المساس بآليات العرض والطلب للقطاع العقاري التركي، الذي استطاع أن يحرّك السوق التركية بأكملها آناء إغلاقات فيروس كورونا، والذي بات أحد المصادر الهامة لمعدل النمو المحلي بالإضافة إلى كونه مصدراً للعملات الأجنبية من خلال تصدير العقارات التركية.

 

الأمر الثاني المهمّ كذلك هو الحالة المعنوية للمواطن التركي، الذي باتت تتقاذفه الشائعات حول متانة اقتصاده المحلي، إذ تتكامل مع الضغوط المعيشية المستجدة، والانخفاض المتواصل لسعر الليرة، في بناء صورة مغلوطة عن واقع ومستقبل الاقتصاد التركي الذي يحقّق إنجازات رائعة على أرض الواقع، هذه الحالة المعنوية تحتاج إلى خطابات حكومية مكثفة ذات محتويات متخصصة، تعيد رسم الصورة الحقيقية وتعطي الأمل بالمستقبل الزاهر بإذن الله.

 


مصدر الخبر :TRT عربي الكاتب :أحمد ذكر الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *