جمعوا السكان بالمسجد وأحرقوه.. عندما انتقم اليونانيون بعد هزيمتهم في إزمير

جمعوا السكان بالمسجد وأحرقوه.. عندما انتقم اليونانيون بعد هزيمتهم في إزمير

 

في أعقاب الهزائم المذلة التي لحقت بالجيش اليوناني المحتل بدءًا من معركة سقاريا التي حاول بها اليونانيون احتلال عاصمة المقاومة أنقرة وإخماد نار النضال الوطني في سبتمبر/أيلول 1921 والتي انتهت بأولى انتصارات المقاومة التركية، مروراً بالهجوم الكبير الذي بدأه أتاتورك ورفاقه يوم 26 أغسطس/آب 1922 وانتهى بهزيمة مذلة لليونانيين في معركة دوملوبينار يوم 30 أغسطس/آب، وصولاً إلي حرب تحرير إزمير وإلقاء القوات اليونانية الغازية في البحر يوم 9 سبتمبر/أيلول 1922، شهدت إزمير حريقاً كبيراً أتى على ثلث المدينة تقريباً.

 

فبعد أن استعاد الجيش التركي مدينة إزمير التي احتلها اليونانيون لأكثر من 3 سنوات (مايو/أيار 1919- سبتمبر/أيلول 1922)، اندلع حريق كبير في منطقة “باسمانة” وسط المدينة استمر لـ5 أيام (من ليلة 13 وحتى يوم 18 سبتمبر/أيلول 1922)، أسفر عن تدمير المباني والأحياء التاريخية في المدينة، كان وراءه الأرمن المدعومون من اليونان.

 

فحرق المدن والقرى عقب الهزيمة والانسحاب هو سياسة يونانية أطلق عليها “سياسة الأرض المحروقة”، ازدادت حدتها خلال الفترة الأخيرة من الحرب. من أبرز الأمثلة على وحشية هذا النهج، هو ما نفذه الجيش اليوناني في قرية “قاراتبية” الواقعة بولاية أيدين قرب إزمير يوم 14 فبراير/شباط 1922 عندما جمعت القوات اليونانية المتقهقرة سكان القرية بالمسجد وأشعلت به النيران بمن فيه.

 

سياسة الأرض المحروقة

 

في العام الأخير من الحرب، انتهجت القوات اليونانية المنهزمة سياسة الأرض المحروقة بشكل غير عشوائي يميل إلى التنظيم والترتيب من أجل إلحاق أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية بالمدن والقرى التركية بالإضافة إلي ساكنيها الذين بقوا على قيد الحياة.

 

وفي هذا الصدد، كتب المؤرخ المختص في الشرق الأوسط، سيدني نيتلتون فيشر أن “الجيش اليوناني خلال انسحابه انتهج سياسة الأرض المحروقة وارتكب كل أنواع الانتقام المعروفة ضد القرويين الأتراك العزل في طريق خروجه”. فيما شهد نائب القنصل الأمريكي في القسطنطينية آنذاك، جيمس بارك لودر، تدمير العديد من القرى والمدن وقتل الآلاف من المدنيين العزل من نساء وأطفال الذي قتلوا إما حرقاً أو خنقاً أو رمياً بالرصاص. حيث وصلت نسبة المباني المدمرة في المدن الأربع التي زارها لودر إلى: 90% في كل من مانيسا وقصبة “تورجوتلو”، 70% في “ألاشهير”، و65% في “صاليحلي”.

 

ولم تكتفِ القوات اليونانية المتقهقرة بحرق المباني والحقول والمساجد وحسب، بل رافقها أيضاً أعمال قتل واغتصاب وتعذيب بشكل متعمد وسافر طالت عدداً كبيراً من المدنيين الأتراك من نساء وأطفال وكبار السن. وإلى جانب حريق المسجد في قرية “قاراتبية” الذي ذكرناه بالمقدمة، كتب كينروس واصفاً بعد تلك الأحداث ” تحولت القرى قرية بعد قرية إلى أكوام من الرماد، ثلث “أوشاك” لم يعد قائماً، “ألاشهير” لم تعد أكثر من تجويف متفحم مظلم مشوهة فوق التلة. فيما يقدر عدد المفقودين بحوالي 3 آلاف شخص خلال حرق “ألاشهير” وحدها”.

 

قبل أيام من الحريق

بعد الهزيمة المذلة يوم 30 أغسطس/آب 1922، هرب الجنود اليونانيون إلى إزمير وهم مغطون بالدماء، في وقت كانت أجواء السعادة تعم الأتراك الذين ينتظرون تحرير إزمير، آخر معاقل المحتل اليوناني في الأناضول. وفي أعقاب هزيمة دوملوبينار وبدء تحرك قوات المقاومة التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك باتجاه إزمير والمدن الساحلية الأخرى، أدرك اليونانيون أنه لم يعد هناك سبيل للنصر وقرروا الانسحاب كلياً.

 

وعلى الفور، بدأت عملية إجلاء جميع الجنود اليونانيين بسرعة كبيرة على متن السفن عن طريق البحر، بجانب ما يقرب من 150 ألف يوناني مدني من الذين جلبهم الاحتلال كانوا ينتظرون إجلاءهم على طول ساحل إزمير مع السفن التي تراكمت. يُذكر أنه تزامن مع ذلك خروج اليونانيين والأرمن من أزمير والفرار إلى جزر بحر إيجه القريبة عبر “أورلا” و”تشيشمي” غرباً.

 

وبعد أن استولى الجيش التركي على الإدارة في إزمير يوم 9 أيلول/سبتمبر 1922، كان همه الوحيد هو ضمان الأمن في إزمير، على الرغم من علمه بوجود منظمة إرهابية نظمها الأرمن بدعم يوناني بالمدينة تهدف إلى زعزعة الأمن ومقاومة القوات التركية. وما أن دخل نور الدين باشا (الملتحي) للمدينة حتى أصبحت إزمير مسرحاً لحرب شوارع بين الجيش التركي والأرمن من أفراد المنظمة الإرهابية التي اتخذت من الكنيسة الأرمنية ومحيطها مقراً لها.

 

حريق إزمير الكبير

وبينما قام الجيش التركي باستقبال اليونانيين والأرمن الذين لجؤوا إلى مناطق الحماية هرباً وخوفاً من انتقام الشعب التركي بالمدينة، أضرمت بقايا فلول الجيش اليوناني والمنظمة الأرمنية الإرهابية النيران بالحي الأرمني الواقع بـ “باسمانة”، أرض معرض إزمير اليوم، ولمدة خمس أيام (من 13 سبتمبر/أيلول ولغاية 18 سبتمبر/أيلول 1922) أتت النيران على ثلث المدينة التاريخية بمساعدة رياح إزمير التي تهب من البحر.

 

وحسب العديد من البيانات التي تدلي بمعلومات حول الحريق (مثل تقرير مدير فرقة إطفاء إزمير بول جريسكوفيتش، وتقرير مارك أو. برينتيس من لجنة الإغاثة الأمريكية في إزمير إلى الأدميرال بريستول، واعتراف المؤرخ اليوناني لورد كينروس) فقد اتفق الجميع على أن الحريق من فعل إرهابيين أرمن ارتدوا الزي التركي، في محاولة يائسة منهم لإقناع قوى الحلفاء بالتدخل منعاً لاستعادة الأتراك مدينة إزمير.

 

يُذكر أنه حالما بدأ الهجوم العظيم يوم 26 أغسطس/أب 1922، سمع جيركوفيتش الضباط والجنود اليونانيين يقولون “سنحرقها إذا اضطررنا إلى ترك إزمير للأتراك”.


مصدر الخبر :TRT عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *