جزر الأميرات.. لآلئ بحر مرمرة بين عبق التاريخ وجمال الحاضر

جزر الأميرات.. لآلئ بحر مرمرة بين عبق التاريخ وجمال الحاضر

جزر الأميرات أو جزر الأمراء كما هو مشهور بالمصادر الغربية أو الجزر الحمراء نسبة إلى التسمية التركية القديمة، أو أدالار (Adalar) كما هو مشهور باللغة التركية، كلها أسماء لنفس أرخبيل الجزر الذي يزين الجزء الشمالي الشرقي من بحر مرمرة، قبالة الساحل الجنوبي للجانب الآسيوي من مدينة إسطنبول.

وقبل الخوض في طبيعة وتاريخ الجزر، علينا التعريف أولاً ببحر مرمرة، الذي يُعتبر بحراً داخلياً صغيراً نسبياً يقع شمال غرب تركيا، يتصل بالبحر الأسود عبر مضيق البوسفور الذي يشق مدينة إسطنبول إلى شقين، آسيوي وأوروبي.

كما يتصل ببحر إيجه عبر مضيق الدردنيل الذي يفصل هو الآخر الجزء الآسيوي عن الأوروبي من مدينة جناق قلعة، الواقعة غرباً.

أطلق عليه قديماً اسم “بروبانتس”، لكن اسمه الحالي مشتق من كلمة “مارماروس” التي تعني الرخام باليونانية، إذ عُرف عبر التاريخ بانتشار الجزر الرخامية الصغيرة.

ويضمّ بحر مرمرة ثلاثة تجمعات من الجزر الصغيرة أشهرها الأميرات، إحدى أهم الوجهات السياحية بتركيا ومدينة إسطنبول تحديداً، بالإضافة إلى جزيرتَي أشار ثم مرمرة التي تُستخرج منها كميات كبيرة من الرخام (المرمر)، والتي اشتُق منها اسم هذا البحر.

جزر الأميرات

يتكون الأرخبيل من 9 جزر بين كبيرة وصغيرة منحدرة بالقرب من الشاطئ الآسيوي لمدينة إسطنبول.

وبينما توجد مجمعات سكنية في خمس جزر (بويوكأدا، هيبيليأدا، بورغازأدا، كيناليأدا، سيديف أداسي)، تتبع إدارياً بلدية إسطنبول، فإن الجزر الأربع المتبقية (سيفريأدا، ياتسيأدا، كاشيك أداسي، تافشان أداسي) تخلو من أي مجمعات سكنية دائمة.

ويُذكر أن الصخور القريبة من الساحل (صخور يلديز وديليك) هي قمم جزر “فوردونوس”، التي غرقت في زلزال عام 1010.

وتعد جزيرة بويوك أدا (Büyükada) الأكبر مساحة بين الجزر، إذ تبلغ مساحتها الإجمالية قرابة 5.4 كيلومتر مربع، وتتكون من 5 أحياء يسكنها قرابة 8 آلاف و200 نسمة.

في حين تحل جزيرة كاشيك أداسي (Kaşıkadası) في المرتبة الأخيرة من حيث المساحة، بمساحة لا تتجاوز 8 آلاف متر مربع فقط، ولا يسكنها أي شخص.

يُذكر أن مساحة الجزر الإجمالية هي 10 آلاف و76 كيلومتراً مربعاً، ويسكنها قرابة 16 ألف نسمة حسب إحصائيات عام 2020.

أسباب التسمية

خلال فترات زمنية مختلفة عبر التاريخ، سُميت الجزر بأسماء مختلفة حسب بعض المصادر.

أكثرها شيوعاً “جزر الأمراء” حسب المصادر الغربية، بسبب استخدام الجزر كأماكن لنفي الأمراء والنبلاء والبطاركة وحتى الأباطرة خلال الحقبة البيزنطية.

وحسب بعض المصادر الأخرى، فإن الإمبراطور البيزنطي جيستينوس الثاني أمر ببناء قصر ودير رائعَين على جزيرة بويوك أدا عام 567.

وفي العصور القديمة (الحقبة اليونانية) كانت الجزر تسمى “ديمونيسي”، وتعني باليونانية القديمة “جزر الجن”، فيما ادّعى الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو أن “ديمونيسي” اسم شخص شغّل منجم نحاس لأول مرة في هيبيلي أدا، وأن الجزر سُميت تدريجياً باسمه.

في مصادر أخرى أطلق البيزنطيون على الجزر اسم “بابادونيسيا”، ويعني جزر الرهبان أو الكهنة.

وفي فترة حكم الدولة العثمانية أطلق الأتراك عليها “الجزر الحمراء” بسبب لون تربتها.

أبرز وجهات إسطنبول السياحية

تعد جزر الأميرات إحدى أشهر الوجهات السياحية في مدينة إسطنبول، فالذهاب إليها بالسفن يعد متعة بحد ذاته.

إذ تستغرق الرحلة بالسفينة من الجانب الأوروبي لمدينة إسطنبول قرابة ساعة ونصف، فيما لا تتجاوز الرحلة نصف ساعة من الجانب الآسيوي.

وتتراوح مسافة الجزر من إسطنبول ما بين 7 أميال بحرية و13.5 ميل بحري (25 كلم).

وإلى جانب تمتع الجزر بأجواء طبيعية ساحرة بعيداً عن صخب المدينة وازدحامها، وتميزها بإطلالة ساحرة على مياه بحر مرمرة، تحوي أيضاً نحو 899 مَعلَماً تاريخياً موزعة بين كنائس وأديرة ومساجد ومدارس وقصور خشبية وحجرية.

كما تحتوي الجزر على عديد من الفنادق والمقاهي والمطاعم والشواطئ الرائعة والمميزة، إضافة إلى عديد من الفاعليات التي يمكن عملها هناك، مثل ركوب العربات الكهربائية واستئجار الدرجات وغيرها.

جزر الأميرات.. تاريخ موجز

ينقسم تاريخ الجزر إلى 4 حقب مختلفة، الأولى الحقبة الهلنستية، فالحدث التاريخي الأول الذي تحدثت عنه المصادر التاريخية هو أن ديميتريوس بوليوركيتس، ابن أنتيغونوس، أحد قادة الملك المقدوني الإسكندر الأكبر، بنى قلعة في عام 298 قبل الميلاد في بورغازادا، تخليداً لذكرى والده، وسُميت الجزيرة وقتها باسم “أنتيغوني”.

إذ عُثر على شاهد قبر عام 1860 يعود إلى الفترة الهلنستية منقوش باللغة اللاتينية.

وفي عام 1930 وُجد في جزيرة “بويوك أدا” كنز مكون من 207 قطع نقدية ذهبية مطبوع عليها اسم أبي الإسكندر الأكبر، الملك فيليب الثاني.

أما في الحقبة البيزنطية دخلت الجزر في ضوء المشهد التاريخي في العصر البيزنطي، بعد أن جعل الإمبراطور قسطنطين إسطنبول عاصمة للدولة البيزنطية عام 330.

إذ استُخدمَت الجزر كأماكن نفي ومناطق أديرة بسبب صعوبة الوصول إليها، ولكون الهرب منها يكاد يكون مستحيلاً.

وعلى الدوام، تسببت ثروة الأديرة والكنائس في محاصرة الجزر ونهبها مرات عديدة خلال الفترة البيزنطية.

ثالثاً الفترة العثمانية: دخلت الجزر تحت الحكم العثماني عام 1453، تحديداً قبل 42 يوماً من فتح مدينة إسطنبول. فبعد الفتح، أُخليَت الأديرة، وهاجر معظم اليونانيين من الجزر، وفقدت المنطقة حيويتها لفترة.

ولاحقاً خلال الفترة العثمانية عاد الرهبان ببطء إلى أماكنهم القديمة، كما مُنحت البطريركية حقوق استخدام الأراضي والملكية على الجزر كما في الماضي.

ومن المعروف أنه بعد فتح إسطنبول، تحديداً خلال فترات الأوبئة، بنى بعض الباشوات والأثرياء المستشفيات والقصور من أجل الحماية من الأوبئة التي كانت تجتاح إسطنبول من فترة إلى أخرى.

وأخيراً عصر الجمهورية التركية الحديثة، فبعد تحرير تركيا وإسطنبول من الغزو الغربي خلال حرب الاستقلال التركية التي سبقت إعلان تأسيس الجمهورية التركية عام 1923، هاجر بعض اليونانيين إلى الخارج، وأُغلِقَت المطاعم والنزل والمتاجر التي يديرونها، وانعدمت الحياة في الجزر نسبياً، لتستعيد حيويتها مرة أخرى بعد اهتمام مصطفى كمال أتاتورك وأعيان حزب الشعب الجمهوري.

كما كانت جزيرة “بويوك أدا” منفىً لأحد قادة ثورة أكتوبر الروسية عام 1929، الكاتب الروسي الشهير ليون تروتسكي، الذي كتب مذكراته في الجزيرة بعد أن طرده ستالين إليها.

وفي عام 1960 شهدت جزيرة “ياتسي أدا” محاكمة رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، الذي حُكم بالإعدام بعد الانقلاب العسكري في 27 مايو/أيار 1960.


مصدر الخبر :TRT عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *