بقيادة بربروس.. لماذا لجأت فرنسا إلى الأسطول العثماني ومنحته ميناء طولون؟

بقيادة بربروس.. لماذا لجأت فرنسا إلى الأسطول العثماني ومنحته ميناء طولون؟

 

تزامناً مع بدء حقبة هيمنة الأسطول البحري العثماني على بحرَي إيجة والمتوسط منتصف القرن الخامس عشر بعد فتح السلطان محمد الفاتح مدينة إسطنبول، والانتصارات العثمانية بقيادة كمال ريس على الإيطاليين خلال الحروب البحرية مع مملكة البندقية (1499-1503)، وما تلاه لاحقاً من تحويل المتوسط إلى بحيرة تركية بفضل الإخوة بربروس بداية القرن السادس عشر، كانت ممالك أوروبا تعيش صراعاً دامياً فيما بينها، دفع الفرنسيين إلى طلب النجدة من العثمانيين.

 

ففي أعقاب انتصار الإمبراطورية الرومانية (ألمانيا والنمسا حالياً) وملك إسبانيا شارلكان على ملك فرنسا آنذاك فرانسوا الأول وأسره إثر معركة بافيا سنة 1525، وإجباره على تقديم الكثير من التنازلات لصالح مملكة إسبانيا، أرسل فرانسوا الأول رسالة استغاثة للسلطان العثماني آنذاك سليمان القانوني يطلب مساعدته في التخلص من الاحتلال الإسباني بقيادة شارلكان (شارل الخامس) عدوهم المشترك.

 

وعلى إثر رسالة الاستغاثة التي أرسلها فرانسوا الأول إلى السلطان سليمان أُنشئ أول تحالف عثماني فرنسي استمر لأكثر من قرنين ونصف بين عامَي 1536 و1798، بدأ فعلياً عام 1543 بعد إرسال أسطول عثماني بقيادة خير الدين بربروس لتحرير مدينة نيس من الاحتلال الإسباني، وانتهى بالحملة الفرنسية على مصر التي كانت ولاية عثمانية.

الفرنسيون يمنحون طولون للعثمانيين

 

عقب عقد التحالف العثماني الفرنسي وتحديداً في 28 مايو/أيار 1543، أبحر البحار العثماني الشهير خير الدين بربروس بأمر من السلطان العثماني وقتها سليمان القانوني باتجاه فرنسا بأسطول بحري قوامه 100 سفينة و30 ألف جندي لمساعدة الملك الفرنسي فرانسوا الأول وجيشه لتحرير مدينة نيس التي كانت تحت سيطرة تشارلز الثالث دوق سافوي حليف الملك الإسباني شارلكان.

 

وفي طريقة إلى ميناء طولون الفرنسي نجح الأسطول العثماني بالسيطرة على مدينتي مسينة وريجيو التابعة للممالك الإيطالية. وبعد الترحيب الفرنسي بالعثمانيين عقب وصولهم إلى طولون، انضمت 44 سفينة فرنسية إلى الأسطول العثماني وتحركوا تحت قيادة خير الدين بربروس نحو ميناء نيس المحتل، الذي نجحا في استعادته في 22 أغسطس/آب 1543.

 

ورداً للمساعدة العثمانية في استعادة نيس، وتعزيزاً للتعاون بين الدولتين الخليفتين، منحت فرنسا ميناء طولون للعثمانيين بعد إخلاء السكان الفرنسيين من المدينة، وتحول الميناء الفرنسي الذي رُفعت عليه أعلام الدولة العثمانية إلى قاعدة بحرية عثمانية ضخمة لإدارة الحملات البحرية العثمانية في المتوسط وسواحل إفريقيا الشمالية.

 

التحالف العثماني الفرنسي

 

شهد عام 1536 عقد أول تحالف عسكري ودبلوماسي غير أيديولوجي بين إمبراطوريتين إحداهما مسلمة وأخرى مسيحية، وذلك بعد طلب الملك الفرنسي فرانسوا الأول المساعدة من السلطان العثماني سليمان القانوني مساعدته لوقف التوسع الإسباني بقيادة شارلكان برفقة الإمبراطورية الرومانية.

 

وما أن جرى الإعلان عن التحالف العثماني الفرنسي حتى بدأت الكنيسة الأوروبية (الكاثوليكية) بمهاجمة هذا التحالف ووصفه بـ”الأثيم”، الأمر الذي سبب إحراجاً لفرنسا في العالم المسيحي والكاثوليكي بخاصة. إلا أنه وعلى الرغم من معارضة الكنيسة استمر التحالف ليخدم مصالح الطرفين، فمن جانب ساعد العثمانيون بالتوسع وفرض هيمنتهم بشكل كامل على المتوسط من خلال حليف منحهم ميناء طولون الذي حولوه إلى قاعدة عثمانية ضخمة من أجل السيطرة على السواحل الإفريقية فضلاً عن حروبهم مع الإيطاليين، ومن جانب آخر استفاد الفرنسيون من قوة الأسطول العثماني في صد الهجمات الإسبانية والممالك الأوروبية الأخرى.

 

واستمر هذا التحالف الاستراتيجي لأكثر من قرنين ونصف من الزمن، بدءاً من عام 1536 حتى انطلاق الحملة الفرنسية على مصر التي كانت ولاية عثمانية، تحت قيادة نابليون بين عامَي 1798 و1801. وكان هذا التحالف شاهداً على بدء النفوذ الدبلوماسي العثماني داخل القارة الأوروبية، وازدهار التبادل الثقافي والعلمي بين بين الدولة العثمانية والمملكة الفرنسية، وترجمة الأعمال الأدبية والعلمية من كلا البلدين، فضلاً عن تناول القصص والروايات الفرنسية لمواضيع وخلفيات عثمانية، من أبرز هذه الأعمال رواية غابرييل بونين التي نُشرت عام 1561 بعنوان “السلطانة” (La Soltane).

 

هيمنة الأسطول العثماني

 

بعد فتح إسطنبول منتصف القرن الخامس عشر امتلكت الدولة العثمانية أكثر من أسطول بحري مكنها من توسعة أراضيها باتجاه البحر الأسود بعد السيطرة على مدينتَي طرابزون وآماسره. وبينما شهد عام 1463 بدء الحرب بين الدولة العثمانية ومملكة البندقية، التي استمرت قرابة 16 عاماً حقق خلالها الأسطول العثماني انتصارات مكنته من السيطرة على مناطق وجزر داخل ببحر إيجة، شهدت الأعوام بين 1479 و1480 سيطرة الأسطول على جزر في البحر الأيوني لحصار مملكة البندقية وخنقها.

 

وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر تجاوز عدد سفن الأسطول العثماني 350 قطعة بحرية عسكرية وسيطر العثمانيون على مياه المتوسط وحولوه إلى بحيرة تركية، الأمر الذي دفع الملك الفرنسي فرانسوا الأول إلى طلب المساعدة من العثمانيين لمواجهة التوسع الإسباني، وهو ما أثار حفيظة بابا الفاتيكان بولس الثالث ودفعه إلى تنظيم حملة بحرية صليبية ضد البحرية العثمانية عام 1538، إلا أن القبطان خير الدين بربروس كان بالمرصاد وقاد الأسطول العثماني لإلحاق هزيمة مذلة بالصليبيين.

 

وعلى إثر الانتصار الساحق الذي قاده القبطان بربروس استقبله السلطان سليمان القانوني بإسطنبول ورقاه إلى رتبة قبطان باشا (كبير أدميرالات) في الأسطول العثماني فضلاً عن تعيينه حاكم حكام شمال إفريقيا ورودس التي ضمها خير الدين تحت راية الدولة العثمانية.

 

وفي الوقت الذي شغل به خير الدين بربروس منصب أدميرال للبحرية العثمانية أوائل القرن السادس عشر أظهر مهارةً بحرية رائعة فازدادت القوة البحرية العثمانية تحت قيادته أضعافاً مضاعفة وتمكن من توسعة رقعة النفوذ العثماني على كامل مياه البحر الأبيض المتوسط وعلى السواحل الأوروبية، فضلاً عن ضم تونس والجزائر وليبيا إلى الأراضي العثمانية إبان فترة تولِّيه قيادة الأسطول العثماني.


مصدر الخبر :TRT عربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *