الحوامل الاقتصادية لتركيا في 2022

الحوامل الاقتصادية لتركيا في 2022

شكّل عام 2021 ممرّاً ضيّقاً لمختلف الاقتصادات العالمية، وتعوّل المؤسسات الدولية على أن يشكّل عام 2022 بدء نهاية الأزمة العالمية وعودة الأمور إلى الاستقرار نسبياً.

 

واستعداداً لمرحلة جديدة بدأت الدول الكبرى ترتيب أوراقها وفرقها، ليس للمشاركة في كأس العالم المتوقع أن ينعقد في 2022 وحسب، ولكن استعداداً لمرحلة مقبلة تعيد فيها هذه الدول كسب ما فقدته اقتصادياتها من فرص ورفع معدلات نموها وضمان سيرها بأقلّ تعثُّر ممكن، ولا شك أن المتابع للمشهد الاقتصادي الدولي يلاحظ كثيراً من المتغيرات التي ظهرت في الاقتصادات الدولية على مستوى التكتيك والسياسة الاقتصادية التي تم إعادة ضبطها لتتناسب مع متغيرات المرحلة.

 

وسواء أشارك المنتخب التركي في مونديال 2022 أم لم يشارك، فإن الاقتصاد التركي ضمِنَ حضوره في المنافسات الاقتصادية الدولية من خلال أحد عشر حاملاً رئيسياً، تشكلت معالمها في السنتين الماضيتين للاستعداد لمرحلة ما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، وهنا نستطيع أن نرى بوضوح أحد عشر حاملاً اقتصادياً تحمل النموذج التنافسي التركي في الفضاء الاقتصادي الدولي.

 

أحد عشر حاملاً للاقتصاد التركي

يتمثل الحامل الأول في لقاح توركوفاك، إذ يشكل الإعلان عنه قبل أيام قليلة من نهاية السنة الميلادية 2021، واعتماده وبدء إنتاج اللقاح في نسخته التركية، حدثاً مهمّاً من الناحية الصحية وكذلك الاقتصادية، فاللقاح اليوم يُعَدّ مصدراً مهمّاً للدخل، فالطلب على اللقاحات يفوق العرض بكثير رغم توسُّع عمليات الإنتاج وامتدادها، وتستطيع الدولة التي تمتلك اللقاح أن تخوض مفاوضات اقتصادية وسياسية بشروط أكثر ميلاً إلى مصلحة الاقتصاد الوطني.

 

أما الحامل الثاني فهو المنتج العسكري، إذ لا يخفى على أحد التطور الحاصل في المنتجات العسكرية التركية، بخاصة لجهة الطائرات بلا طيار، وقد استطاعت تركيا بالفعل بدء عمليات البيع ونشر المنتج في نطاق جغرافي جيد، ويُتوقع أن يتوسع الانتشار إلى نطاقات عالمية مما يشكّل فرصاً لبيع المنتج نفسه وبيع قطع التبديل والغيار وكذلك خدمات التدريب والتقنيات المرافقة.

 

وتمثّل التكتلات الإقليمية والدولية حاملاً مهمّاً للاقتصاد التركي، فقد شهد عام 2021 ولادة منظمة الدول التركية إضافة إلى عقد القمة التركية-الإفريقية التي تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري بين تركيا والدول المشاركة، ولا شك أن هذه الخطوة هي موضع توسع، إذ لن تقف عند ما حصل سابقاً. التوسع من الممكن أن يكون توسعاً للشراكات البينية في إطار ما تم إنجازه، وهذا يعني تبادلاً تجارياً أفضل، وقد يكون توسعاً تجاه عقد مزيد من التكتلات لتحقيق ذات الأهداف.

 

يتمتع النموذج الاقتصادي التركي منذ وقت بعيد بقدرته على التنافس في إطار بيع المنتجات الحلال الذي تمتدّ سوقه إلى قرابة مليارَي شخص يطلبونه، هذا الحامل الاقتصادي الهامّ مكّن تركيا من تحقيق اختراقات في هذا المنتج الذي ينتشر اليوم في آسيا وأوربا وإفريقيا وأمريكا ويُعَدّ مصدر ثقة وطمأنينة للمشترين، وقد تمّت إعادة صياغة النموذج التركي لضمان أن يكون المنتج الحلال وكذلك المكونات الثقافية لبقية المنتجات التركية هي مركز الترويج والجذب الرئيسي الذي يعيد على المنتجين الأتراك مزيداً من التوسع والانتشار في 2022.

 

يظهر الحامل الخامس في اللوجستك، فمما لا شك فيه أن الموقع الجغرافي التركي أهَّل اقتصاد البلاد للعب أدوار أكبر في مستوى إيصال المنتجات بين آسيا وأوربا، ومع أزمة سلاسل التوريد التي لا تزال تتردد أصداؤها في العالم حتى اللحظة فإن المواني والطرق التركية غالباً ما سيتم توسيع أدوارها لتلعب دوراً أكبر في اقتصاديات النقل العالمية.

 

أما هدف جعل تركيا مركزاً للطاقة فيأتي كحامل هامّ للاقتصاد التركي، فتعاظم التنقيب عن الغاز خلال العام الماضي، فلقد حقّقَت تركيا اكتشافات مقبولة في وقت سابق سرعان ما بدأت العمل عليها لإدخالها في الإنتاج وجعلها جزءاً من الاقتصاد الوطني، ولكن الاستمرار في عمليات التنقيب أمر مستمرّ، إذ انطلقت سفينة الفاتح قبل أيام من نهاية عام 2021 من جديد في البحر الأسود لسبر مزيد من المساحات المتوقع أن يتم الوصول فيها إلى اكتشافات جديدة، والتوقعات تشير إلى مزيد من الاكتشافات في 2022 مما يزيد فرص توفير الكلف في عمليات الإنتاج والاستهلاك على حد سواء داخل تركيا.

 

وامتد الاهتمام نحو الطاقة المتجددة، إذ شهد عام 2021 رقماً فاق 66 مليار دولاراً كاستثمار تركي في مجال الطاقة المتجددة والتعويل الحكومي يأتي على الطاقة النووية وطاقة الرياح وكذلك المياه في سبيل تقليل الكلف وتوسيع القدرة على تصدير الكهرباء إلى الدول القريبة.

 

وتُعَدّ السياحة حاملاً اقتصادياً حيوياً للاقتصاد التركي، رغماً عن أن السياحة في تركيا بلغت مستويات كبيرة في 2019، وتعطلت بشكل نسبي في 2020 و2021 بسبب إجراءات الحظر والإغلاق التي نتجت عن فيروس كوفيد-19، فإن عودة الحياة إلى طبيعتها متوقعة بشكل كبير في 2022، إذ حقّق معظم الدول نسباً مرتفعة في اللقاح واكتسبت الفرق الطبية والكوادر الصحية معلومات جيدة للتعامل مع الأزمة، وهذا سينعكس على زيادة أرقام السياحة في 2022 وما بعده، كما سيشكّل سعر الليرة التركية المتدني مقارنة بالسنوات السابقة ميزة للسياح للقدوم إلى تركيا مستفيدين من قدرتهم على الإنفاق في البلاد أكثر من أي وقت سابق.

 

تصفير المشكلات والتهدئة يعزّزان تدفق الاستثمار الأجنبي

السياسة الخارجية التي اتبعتها تركيا لتصفير المشكلات والتهدئة السياسية، جعلت عام 2021 يشهد عودة العلاقات التركية مع عدد من الدول في المحيط الإقليمي والعالمي. فقد شهدت تركيا زيارة إماراتية على سبيل المثال، وهي الدولة التي كانت تتمتع تركيا بعلاقات غير جيدة معها، كما أنه لم يحصل أي تصعيد مع الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي يُذكر، ويُتوقع أن التهدئة مستمرة في 2022، وهذا سيضمن أوضاعاً أكثر راحة للمستثمرين الأتراك والأجانب.

 

يمثل الاستثمار حاملاً مهمّاً للاقتصاد في تركيا، لقد طورت تركيا سياسة جديدة كلياً في تعزيز الاستثمار متناسبة مع مرحلة الأزمة تقوم على توفير الأموال بسعر فائدة منخفض من أجل تحويلها إلى منشآت إنتاجية وضمان تشغيل مزيد من العمالة التركية وبالتالي سحب فائض الكتل النقدية من الجانب الاستهلاكي إلى الجانب الاستثماري مما يضمن استقراراً في أسعار الصرف ينعكس على استقرار القدرة الشرائية للمواطنين الأتراك وكذلك على تدفق الاستثمارات الأجنبية التي ستجد فرصة سانحة في الاستفادة من رأس المال النقدي والبشري المتاح في تركيا.

 

أم الحامل الاقتصادي الأخير فهو التنوع الثقافي التركي، إذ استقبلت تركيا في السنوات الماضية عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين ثم تلاهم الأفغان، وتحتوي تركيا على جالية عربية من اليمن وفلسطين ومصر وليبيا ولبنان، إضافة إلى احتضان عدد كبير من الآسيويين والإفريقيين والروس والإيرانيين، وهؤلاء إما طلاب يبحثون عن نقل التجربة وإما مستثمرون يبحثون عن مركز أعمال أو حتى عمالة مفترضة تمتلك مهارات متنوعة وثرية تنعكس إيجاباً على الاقتصاد التركي.

 

إذاً أحد عشر حاملاً رئيسياً بدأت ملامحها تتضح مع نهاية عام 2021 سيدخل الاقتصاد التركي بها عامه الجديد في سبيل تعزيز تنافسيته وتطوير قدراته، إذ تشكّل هذه الحوامل الأحد عشر فريق تركيا الرئيسي في اللعبة الاقتصادية المقبلة مع الأخذ بعين الاعتبار أن قدرات تركيا على تطوير البدائل وتقديم حوامل احتياطية تتمتع بالمرونة في حال حصول أي تغيرات محتملة في الاقتصاد العالمي، وسواء تم الكشف عنها أو لم يتم بعد فإن “دكة الاحتياط” تحمل المزيد بلا شك.

 


مصدر الخبر :TRT عربي الكاتب :خالد تركاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *