أقطاي: معارضة تركيا منقسمة ولم تقدم مشروعا حقيقيا

أقطاي: معارضة تركيا منقسمة ولم تقدم مشروعا حقيقيا

توقع المستشار السابق لرئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، الدكتور ياسين أقطاي، فوز الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة التي ستُجرى خلال عام 2023، مؤكدا أنه لا يوجد بديل لحزبهم حتى الآن، خاصة في ظل ما وصفه بالضعف الشديد للمعارضة التي أكد أنها منقسمة على ذاتها.

وقال، في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة مع “ضيف عربي21”: “أحزاب المعارضة فشلت في وضع أي مشروع حقيقي لها، وليس لديها مشروع إلا الخراب والدمار والتنظير، ولذلك فالمنافس لحزب العدالة والتنمية هو حزب العدالة والتنمية”.

واستبعد عودة تركيا إلى الحكومة الائتلافية بدلا من حكومة الحزب الواحد، قائلا: “هذا ليس واردا؛ فهذا السيناريو يتطلب حصول المعارضة على ثلثي مقاعد البرلمان، وهذا أمر صعب جدا بالنسبة لهم”، مشيرا إلى أن الانتخابات الرئاسية تعد الأهم بالنسبة لحزب العدالة والتنمية من الانتخابات البرلمانية.

ورغم أن أقطاي أقرّ بتأثر “العدالة والتنمية” بالانشقاقات التي حدثت بداخله، إلا أنه شدّد على أن حزبهم “ما زال هو الحزب الأول، والأكبر، والأقوى، وفقا للعديد من الإحصاءات المختلفة”، منوها إلى أن “الاقتصاد بات هو المشكلة الأولى في تركيا بعدما كان الإرهاب هو التحدي الأكبر لنا في السابق”.

وأشار المسؤول التركي السابق إلى أن “تجربة أردوغان في الحكم هي التجربة الأكثر نجاحا في البلاد، وأصبحت نموذجا متميزا يستحق الدراسة وتقييم السلبيات والإيجابيات”.

ودافع عن استمرار بقاء أردوغان في السلطة كل هذه السنوات، بقوله: “هذا من طبيعة السياسة، وهو دائم الفوز، والمهزوم دائما هو الذي يُنتقد ويُطلب منه أن يرحل، لكن أردوغان يفوز فلماذا يرحل إذن؟”.

وتاليا نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة مع “ضيف عربي21”:

مع اقتراب ذكرى تأسيس حزب “العدالة والتنمية” في 14 آب/ أغسطس.. ما تقييمكم لمجمل تجربة “العدالة والتنمية”؟

تجاوزت مدة حزب العدالة والتنمية في الحكم العشرين سنة، وهي مدة غير مسبوقة في تاريخ تركيا، ومنذ وصل الحزب إلى الحكم فإنه فاز في أكثر من خمسة استحقاقات انتخابية، والآن يستعد لخوض الاستحقاق السادس في الانتخابات البرلمانية، فضلا عن الحكم المحلي في البلديات وغيرها، وكذلك فاز الحزب في كل الاستفتاءات، وقد تفوق “العدالة والتنمية” على كل الأحزاب المنافسة له؛ فقد كان يفوز بفارق أصوات تتجاوز الضعف عن أصوات أقرب منافسيه.

وعندما جاء حزب العدالة والتنمية للحكم في أول مرة عام 2002 كانت نسبة التصويت له 34%، ثم بدأت في الارتفاع في الانتخابات اللاحقة إلى 42% ثم 45% ثم 47%، حتى وصلت إلى 49% تقريبا، وهو حدث غير مسبوق قولا واحدا، لا أقول في تاريخ تركيا فقط، وإنما في تاريخ أوروبا أيضا، لأن الحكم أحيانا يضر مَن يحكم، ولأن الأحزاب في العادة لا تستطيع تلبية مطالب الشعب؛ فعندما يرى الشعبُ الحزبَ الفائز ينجز وعوده فإنه يزداد تمسكا به، وهذا هو الفارق بين “العدالة والتنمية” وغيره من الأحزاب التي كانت بمجرد وصولها للحكم فإنها تتحكم في الناس، وتفرض عليهم من الأمور ما لا يطيقون. لكن “العدالة والتنمية” جاء ليغير هذا المفهوم بالكامل؛ فأصبح الحكم يعني خدمة الشعب وليس التحكم فيهم، وأصبح الحاكم خادما للشعب، وهذه أهم ميزات “العدالة والتنمية” التي أتاحت له فرصة البقاء في الحكم، وتأييد الشعب له.

وعندما رأى الشعب التناسق العضوي بين إرادته وحزب العدالة والتنمية تمسك به، وما زال في الحكم، رغم مرجعية الحزب لبعض مبادئ الإسلام، ولا أقول إن “العدالة والتنمية” حزب إسلامي، وإنما يخدم الإسلام كما يخدم الشعب؛ فهو يخدم مبادئ الشعب، ويخدم دين وقيم الشعب، ولكن قيادات الحزب لا سيما رجب طيب أردوغان زعيم الحزب له مرجعيات إسلامية، ويحترم المبادئ الإسلامية، وهذا من أسباب النجاح البارز للحزب، كما أن هذا يشير إلى أن أصحاب الخلفيات الإسلامية قادرون على النجاح، وقادرون على إنجاز المشاريع بطريقة عقلانية، ومد جسور الصلة بينهم وبين الشعب.

وخلال العشرين سنة أيضا تعرض حكم الحزب لمحاولات عديدة للانقلاب عليه، لا أقول انقلابا واحدا فقط والذي وقع في تموز/ يوليو 2016، وإنما سبقه العديد من الانقلابات الأخرى كالذي وقع خلال الفترة بين 17 و25 كانون الأول/ ديسمبر 2013، ومحاولة انقلاب في 2007 عندما أراد الجيش انسحاب حزب العدالة والتنمية من الانتخابات، وغيرها من المحاولات غير المُعلنة التي قام بها البعض ليتفوقوا على الحزب بطريقة غير ديمقراطية وغير سياسية، وذلك بعدما فشلوا سياسيا وانتخابيا.

 

ما أبرز الأخطاء التي وقع فيها “العدالة والتنمية” طوال مسيرته؟

مستحيل أن يكون هناك أي عمل سياسي أو عمل بشري بدون أخطاء؛ فبالتأكيد هناك أخطاء، أبرزها خلال العشرين سنة في مجال التعليم والتربية، وإنشاء وعي جديد في المجتمع. بالطبع أنشئ وعي جديد لا شك، ولكن ليس كما كنا نتمنى، فقد تغير كثير من وزراء التعليم والتربية، ولكن على سبيل المثال في مجال الاقتصاد والصحة لم يتغير الوزير على مدى 12 سنة.

وفي مجالات النقل والإنشاءات والبناء كان هناك تطور ملموس، لكن في مجال الثقافة ومجال التعليم لم يركز الحزب – مع الأسف- اهتمامه كما اهتم بالإنشاء والتنمية، ففي مجال التنمية نجح الحزب بنسبة 100%، والآن حجم صادرات تركيا تضاعف ثماني مرات، والاقتصاد التركي في نمو، أما في عدد الجامعات فتضاعف العدد من 76 إلى 210؛ فنجحنا في العدد لكن نوعية التعليم – للأسف – لم تنجح مثلما نجحت التنمية، فما زالت الأجيال الجديدة تفتقد كثيرا من الوعي الإسلامي، والثقافي، وهذا النقد الذاتي موجود دائما داخل الحزب حتى نطور من أنفسنا.

إلى أي مدى تأثر حزب “العدالة والتنمية” بالانشقاقات التي حدثت بداخله؟

الانشقاقات من طبيعة السياسة، يا ليتنا كنا نعتصم بحبل الله جميعا، ونتوحد ونتمسك ونعتصم بالمبادئ، ولكن الناس اتجاهاتهم ورؤاهم مختلفة، وهناك خلافات نفسية كأن يكون الشخص في منصب ما، وبعد ترك المنصب يترك الحزب ويؤسس حزبا جديدا، وهي أمور لا تهمنا، والأهم هو استقامة وقوة الحزب وأنه في نفس الإطار، أما مَن ترك الحزب فمن حقه أن يؤسس حزبا أو تيارا جديدا، وهذا من فضل الديمقراطية، والحريات في تركيا، لكن كنا نتمنى أن نكون متوحدين ومخلصين في العمل.

وهل تأثر الحزب بتلك الانشقاقات؟

بالتأكيد تأثر، ولا أستطيع أن أقول إنه لم يتأثر، ولكن ما زال حزب العدالة والتنمية هو الحزب الأول، والأكبر، والأقوى، وفقا للعديد من الإحصاءات، ومنها إحصاءات بعض أحزاب المعارضة.

بعد مرور نحو 4 سنوات على إقرار النظام الرئاسي في البلاد.. ما تقييمكم للنظام الرئاسي اليوم في ظل الانتقادات التي ما زالت توجّه إليه؟

النظام الرئاسي أتاح لتركيا فرصا كثيرة للإدارة، وهو أكثر فعالية في الحكم، لا سيما في اتخاذ بعض القرارات في مجال السياسة الخارجية؛ فمثلا تركيا أخذت قرارا بدخول الجيش التركي إلى سوريا وتحرير بعض المناطق من الهجمات ومن المجازر، والآن هناك أكثر من 6 ملايين إنسان من الشعب السوري يعيشون في تلك المناطق، وبهذا تقلل تركيا عدد المهاجرين والنازحين إلى تركيا أو دول أوروبا، وهذا جاء بقرار رئاسي أعطى الفرصة للتنسيق بين كل القوات التركية للتدخل، وتركيا خلال تلك الفترة بدأت بالسيطرة على المناطق التي كانت مأوى للإرهاب والإرهابيين، الذين لعبوا دورا كبيرا في زعزعة الاستقرار في تركيا، وما ترتب على ذلك من مشكلات في كل المجالات.

وعندما تسأل الناس عن أكبر مشكلة تواجهها تركيا اليوم تكون الإجابة “الاقتصاد”، لكن قبل أربع أو خمس سنوات كانت الإجابة: “الإرهاب”؛ فالانتشار والاستقرار كان نتيجة لقرارات رئاسية اتخذت في التوقيت الصحيح، كما وقفت تركيا مع أذربيجان وعاونتها وساندتها في حربها حتى استعادت أراضيها المحتلة، كما أن تركيا طوّرت نظامها الدفاعي عن طريق القرار الرئاسي، وكذلك تدخلها في ليبيا، وحتى في أزمة قطر، عندما قررت أنقرة الوقوف مع الدوحة كان نتيجة قرار رئاسي. والآن النظام الرئاسي يدير بعض ملفات السياسة الخارجية، ولولا النظام الرئاسي لكان من المستحيل أن تظهر تركيا بهذه القوة، وبهذا الوقار، وبهذه السيادة، والآن نرى النظام الرئاسي يساعد في كل المجالات حتى في النظام الداخلي؛ نرى أن التنسيق والتناغم بين المؤسسات جاء بعد إقرار النظام الرئاسي.

لكن البعض يرى أن “حكومة الحزب الواحد” و”النظام الرئاسي” أحد مظاهر الديكتاتورية في تركيا. ما ردكم؟

أصحاب هذا الرأي يعلنونه بكل حرية؛ فهم استفادوا منه، واستغلوا كل الحريات في ظل هذا النظام، فكيف يعتبرونه استبدادا؟ وكيف يكون ديكتاتوريا؟ فهذا النظام يعطي لهم فرصة حال نجاحهم أن يثبتوا أنهم الأجدر بالحكم، وأمامهم الفرصة ليقنعوا الناس بتغيير النظام؛ ففي تركيا النظام الانتخابي حر ونزيه، ولا يوجد احتمال تزوير الانتخابات بأي صورة من الصور، ولو كان النظام ديكتاتوريا ما كان لينجح حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، وفي إزمير، وفي أنطاليا، وفي أنقرة، وغيرها.. وأنتم تعلمون طبيعة الأنظمة الديكتاتورية في منطقتنا، فلو كان الديكتاتور في الحكم ما كان لأحد أن يفوز في الانتخابات، وما زال الاحتمال قائما أن تفوز الأحزاب الأخرى في الانتخابات المقبلة.

أين تقف تركيا اليوم بين تجربة “أتاتورك العلمانية” وتجربة “أربكان الإسلامية”؟

تجربة أتاتورك، وتجربة أربكان، هي تجارب خاصة لكل منهما، والآن نحن أمام تجربة أردوغان، وهي تجربة أكثر تميزا من تجربة أربكان، لأن تجربة أربكان مدتها عام فقط، وما استطاع عمل شيء وجاء الانقلاب عليه؛ فما استطاع أن ينجز بعض المشاريع التي كان يعدها، ولكن الأمر كان له أبعاد تاريخية أخرى؛ فقد كانت تركيا مستقلة حديثا بعد الاحتلال، وبعد إلغاء الخلافة والدولة العثمانية، والتجربة تحتاج إلى تقييم تاريخي أوسع لا يتسع له المجال الآن.

لكن لا شك أن تجربة أردوغان الآن أصبحت نموذجا متميزا يستحق الدراسة وتقييم السلبيات والإيجابيات، وهي تجربة بإمكان كل العالم الإسلامي أن يدرسها ويستفيد منها بقدر ما يناسبه، وهذا لا يعني تقديس التجربة أو النموذج، لكن مع الأسف لا نستطيع أن نقيم عهد أتاتورك بطريقة موضوعية؛ فما زالت هناك ممنوعات، وحظر على تقييم هذا العهد، ولا مجال إلا لتقديس أتاتورك، أما عهد أردوغان فهو مفتوح للتقييم، وللتنقيط، وللدراسة.

هل تصف “تجربة أردوغان” بأنها أقرب للعلمانية أم للإسلامية؟

لا أستطيع تقييم التجربة بهذا التقسيم، ولا أقول إن هذه التجربة بعيدة عن الإسلامية، كما أن هذا النموذج ليس الوحيد الذي يمكن للإسلاميين أن يقدموه، وإنما هو أحد تجارب المسلمين في العالم، ولا أقول “الإسلاميين”، وإنما أحد تجارب المسلمين في الإدارة، وبالطبع له بعض تطبيقات العلمانية في مجال الحريات الدينية؛ فحرية الدين من مبادئ الإسلام، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: «لا إكراه في الدين»، وفي آية أخرى: «لكم دينكم ولي دين».. فحرية الدين من مبادئ الإسلام، وليست من صنع العلمانية، والعلمانية الأوروبية تقول إن هذه الحرية من مبادئنا، لكن نحن لا نترك هذا المجال للعلمانيين، بل إن هذه هي مبادئ الإسلام.

والحرية من القيم التي يجب توافرها في المسلم؛ فمَن ليس له حرية ليس له إسلام، ومَن ليس له حرية ليس له شخصية، لكن يعتقد البعض أن “الحرية حكر على العلمانية”، لكن الحقيقة أن الحرية ليست ملكا للعلمانيين، بل هي ملك لكل إنسان، وفي القرآن الكريم: «وقل الحق من ربكم فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر..»، هذه فلسفة الإسلام في الحكم، وبالطبع هذه نظرتنا الاجتهادية، فهناك مَن يقول: “لا، نحن لنا نموذج آخر في الحكم”، نقول له إن هذا هو اجتهاد تركيا.

الرئيس أردوغان قال إن “انتخابات 2023 ستكون نقطة تحول بتاريخ تركيا”.. فكيف تنظر إلى الانتخابات المقبلة وتداعياتها؟

الانتخابات المقبلة انتخابات عادية، ولا أقول إنها الأهم على الإطلاق؛ فقد مررنا بانتخابات كانت أهم منها، لكن في الوقت نفسه فإن حزب العدالة والتنمية لا يهمل أهمية هذه الانتخابات، ويركز ويبذل جهوده للفوز فيها، وهذا سر نجاح العدالة والتنمية في كل الانتخابات، ونركز على الانتخابات المقبلة، لأن الأهم هو ما سيترتب عليها، ولا ننظر للانتخابات التي فزنا فيها في الماضي، وإنما نستعد للانتخابات المقبلة، ولا نكتفي بالفخر بالانتخابات السابقة، وهذه الفلسفة هي التي أبقتنا في الحكم طوال 20 عاما مضت، وربما تبقينا 20 عاما أخرى إن شاء الله، والتقدير في النهاية للشعب الذي يُقدّر ويُقيّم ويُصوّت.

البعض يرى أن سر نجاح “العدالة والتنمية” يكمن في ضعف المعارضة.. ما صحة هذا الطرح؟

بالتأكيد أن المعارضة ضعيفة، ولكن ضعف المعارضة يظهر عند المقارنة مع الحزب الحاكم، بمعنى أن نجاح الحزب الحاكم لا يكمن في ضعف المعارضة فقط، وإنما بتميز الحزب الحاكم؛ فتميز الحزب الحاكم كاف لبقائه في الحكم، أما أحزاب المعارضة فقد فشلت في وضع أي مشروع حقيقي لها، وليس لديهم مشروع إلا للخراب والدمار، وللتنظير والشو الإعلامي فقط، وهي ليست معارضة إبداعية. كنا نتمنى أن يكون لهم مشروعهم لننافس عليه بتقديم مشروعات أفضل مثلا، وهو ما أدى لضعف الديمقراطية التركية، ودائما كنت أقول خلال الانتخابات السابقة إن المنافس لحزب العدالة والتنمية هو حزب العدالة والتنمية، وكأن الحزب ينافس نفسه.

ما أسباب ضعف المعارضة التركية؟

أساب الضعف، كما ذكرت، عدم امتلاك أي مشروع، وكل حديث المعارضة عن الحقبة الماضية من التاريخ، ويعيشون على أطلال أتاتورك، ويقدسونه، وفقط، برغم ما ذكره التاريخ عن تلك الحقبة التي لم نسمع فيها عن أي انتخابات حقيقية، لأن الانتخابات في عهده كانت تُجرى مثلما يحدث الآن في البلدان العربية: “فوز بنسبة 100%”.. والآن يُنتقد أردوغان ويوصف بالحاكم المستبد؛ فالمعارضة التركية الآن هي معارضة أيدولوجية أكثر من كونها قائمة على المشروعية والبرامج الحقيقية.

ما هي توقعاتكم لنتائج تلك الانتخابات المرتقبة؟

حزب العدالة والتنمية ما زال في الحكم، وهو حزب بدون بديل حتى الآن، ولكن هذا لا يدفعنا إلى التكاسل والتوقف عن العمل الجاد، بل علينا أن نجتهد أكثر، ونبذل كل جهودنا حتى ننافس أنفسنا، لكن من الصعب أن نحدد النسبة المئوية التي سنفوز بها؛ لكن ما نحتاجه 51% أو 50% وصوت واحد، ونستهدف الحصول على 100%، وهو أمر مستحيل في دولة ديمقراطية مثل تركيا، وأردوغان كان قد فاز في الانتخابات الأخيرة بـ51.7%.. فلو تكررت هذه النسبة فسيكون خيرا إن شاء الله، لكن هل سنحصل عليها في أول مرحلة أم في المرحلة الثانية؟ هذا من الصعب توقعه حاليا، والأمر متوقف على المرشح المنافس الذي ستدفع به المعارضة في الانتخابات الرئاسية، والذي ما زال غير واضح إلى الآن.

ما مدى تأثير الأوضاع الاقتصادية على فرص نجاح “العدالة والتنمية” في الانتخابات؟

الاقتصاد هو المشكلة الأولى في تركيا؛ ففي السابق كان الإرهاب، وقد تفوقنا عليه والحمد لله، أما الاقتصاد فليس مرتبطا بالاقتصاد التركي فقط؛ فالإنتاج في تركيا متواصل، وكل المنتجات والبضائع موجودة، ولكن السبب الأول في الأزمة كانت جائحة كورونا، والآن مشكلة زيادة في العالم تؤثر على بلادنا بسبب سعر الدولار، وتركيا ليس لها مصادر نفطية أو موارد طبيعية، إلا رأس المال البشري، مع العلم أن صادرات تركيا بلغت قيمتها 250 مليار دولار، وهو معدل غير مسبوق.

هل المعارضة باتت موحدة في مواجهة “العدالة والتنمية” خلال الانتخابات المقبلة؟

الأمر قيد المناقشة، ونتمنى أن تظل هذه المناقشة بينهم، وألا يتوحدوا، وحتى لو توحدوا فلن يمثل ذلك مشكلة لنا إن شاء الله؛ فهذا ديمقراطيا ليس عيبا، لكن حزب العدالة والتنمية لن يتأثر بتوحد المعارضة، وسيتأثر فقط إن جاءت المعارضة بشخصية مهمة واحدة تتفق عليها كل الأطراف في الانتخابات الرئاسية، ومشكلة المعارضة أن كل حزبين “بينهما برزخ” ولا يلتقيان؛ فهذا حزب قومي تركي، وهذا قومي كردي، وذاك مرتبط بإرهاب تنظيم “بي كا كا”، وهناك المتمسكون بجذور أتاتورك.. فبينهم برازخ وليس برزخا واحدا.

أيهما أهم بالنسبة لحزب “العدالة والتنمية”.. الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية؟

بالطبع الرئاسية هي الأهم، لأن البرلمانية يكون فيها احتمالية تشتت الأصوات، وقد يتنازل حزب العدالة والتنمية لحزب الشعب عن بعض المقاعد أو العكس، والرئاسية أهم، لأن الأصوات لأردوغان أكثر أهمية من الأصوات للحزب في الانتخابات البرلمانية.

هل يمكن أن تعود تركيا إلى فكرة الحكومة الائتلافية بدلا من حكومة الحزب الواحد؟

لا، هذا ليس واردا، والمعارضة تدعي أن لديها القدرة على ذلك، لكن هذا أمر ليس بالسهل؛ فهم يحتاجون لتشكيل برلمان قوي جدا، كما أنه يتطلب حصولهم على ثلثي مقاعد البرلمان، وهذا أمر صعب جدا بالنسبة لهم.

أردوغان هو الحاكم الذي ترأس السلطة لأطول فترة في تاريخ تركيا منذ آذار/ مارس 2003، فلماذا يصر أردوغان على الاستمرار في الحكم حتى الآن؟

هذا الإصرار هو من طبيعة السياسة، وهو دائم الفوز، والمهزوم دائما هو الذي يُنتقد ويُطلب منه أن يرحل، والقيادة بعدما تتشكل في أي حزب – سواء في أوروبا أو غيرها- وتستطيع أن تحقق الفوز فلا أحد يستطيع أن يطالبها بالرحيل إلا عند الفشل، وأحيانا تستمر القيادة مع الفشل.. فعلى سبيل المثال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو الذي فشل في كل الانتخابات ما زال على رأس حزبه حتى الآن، ولا يطلب منه أحد أن يرحل، وهذا هو الأمر العجيب أن يظل على رأس الحزب رغم كل هذا الفشل، لكن أردوغان يفوز، فلماذا يرحل إذن؟

البعض يسأل: ألا يوجد داخل الحزب مَن هو مؤهل للمنافسة على مقعد الرئاسة بدلا من أردوغان؟

في حزب العدالة والتنمية لا نحتاج لمنافس آخر؛ لأن أردوغان هو المرشح الأجدر، وهو الشخصية الأقوى، وهو أحد أهم أسباب فوز الحزب، وقيادته ثابتة، وناجحة، وليس من المعقول أن يُطلب منه أن يرحل، ونسأل عن البديل عندما يكون هناك فراغ، أما الآن فليس هناك فراغ. أما عن المستقبل: فقد كتبت كتابا عن دور القيادة في الحركات السياسية، وذكرت أنه عندما تكون هناك “شخصية كاريزمية” في أي حزب فليس من العادة أن تظهر له بدائل، إلا بعد رحيله، لكن في وجوده أمر صعب، ولا أقول مستحيلا، وقد تظهر البدائل في حال وجود نوع من أنواع الفشل أو الضعف داخل الحزب.

كيف ترى مستقبل حزب “العدالة والتنمية” في مرحلة ما بعد أردوغان؟

هذا أمر في علم الغيب، ولا نستطيع التكهن به، ولا نستطيع توقع اسم النجم الذي سيسطع بعد أردوغان؛ فالآن ضوء وشمس أردوغان يسيطران على المشهد، لكن الرحيل من طبيعة البشر كما قال الله عز وجل: «كل نفس ذائقة الموت»، وفي آية أخرى «كل مَن عليها فانٍ».


مصدر الخبر :عربي 21

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *