أسباب ومصالح استراتيجية قد تدفع مصر وتركيا على حد سواء للتعاون في ملف شرق المتوسط

أسباب ومصالح استراتيجية قد تدفع مصر وتركيا على حد سواء للتعاون في ملف شرق المتوسط

 

لا تخفي تركيا على الإطلاق أنها بصدد القيام بمناورة دبلوماسية لإعادة ترتيب تحالفاتها في ملف شرق البحر المتوسط وذلك بعدما نجحت اليونان في بناء تحالفات أقوى دبلوماسياً ومحاولة إظهار تركيا كطرف معزول ولا يتمتع بأي دعم من دول حوض البحر المتوسط التي توحدت إلى حد ما تحت لواء “منتدى غاز شرق المتوسط”، وسط مساعي قوية لعزل تركيا بشكل كامل.

 

هذه الحاجة الملحة والمصلحة الاستراتيجية كانت المحرك الأول والأبرز للمساعي التركية لإعادة بناء العلاقات مع مصر وذلك عقب سنوات طويلة من الخلافات الحادة، حيث تأمل أنقرة في إعادة تحسين العلاقات تمهيداً للتوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر يعزز موقفها في ملف شرق المتوسط ويعيد خلط أوراق التحالف المناوئ لها، الذي تتزعمه اليونان وإسرائيل وقبرص ويلقى دعماً كبيراً من السعودية والإمارات.

 

على الجانب المصري، يحاول المستوى الرسمي، الذي التزم الصمت وامتنع عن إطلاق أي تصريحات، إظهار أن مساعي التقارب هي رغبة تركية بحتة وأن القاهرة لا تبدو في عجلة من أمرها كون تركيا “هي الطرف المتعجل والذي لديه حاجة لمصر” في هذه الفترة، وهو الخطاب الذي عملت وسائل الإعلام المصرية على ترويجه بقوة طوال الفترة الماضية.

 

وعلى الرغم من أن المسؤولين الأتراك تجنبوا إطلاق أي تصريحات لتكذيب هذه الرواية في إطار الحرص الشديد على عدم تعكير الأجواء وإعطاء كافة الفرص الممكنة لنجاح جهود إصلاح العلاقات، إلا أنهم يؤكدون في الدوائر المغلقة على أن “الحاجة والمصلحة مشتركة ومتقاربة” وأن محاولة إظهار أن التعاون في ملف شرق المتوسط مصلحة تركية فقط هو “قصر نظر وجهل بالمعطيات على الأرض”.

 

يقول دبلوماسي بالخارجية التركية مطلع على المباحثات لـ”القدس العربي”: “هذا تقدير خاطئ، لا نرغب في الدخول في جدل إعلامي لأن الهدف هو تحقيق نتائج، لكن عدم معرفة وفهم مصلحة مصر من التوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا هو جهل بالواقع أو تزوير للحقيقية”. وأضاف المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، “تحالف شرق المتوسط غير متماسك وهناك تعارض كبير في المصالح، وبدون تركيا لا يمكن لهذا التحالف أن يحقق أي مشروع استراتيجي ويعود بالفائدة على أعضائه”.

 

في السياق ذاته، يقول ملحق صحافي بالرئاسة التركية لـ”القدس العربي”، فضل عدم الكشف عن اسمه  كونه غير مخول بالحديث للإعلام، “المداولات هنا لا تشبه ما يحاول الإعلام تصديره، نعلم أنه يتم التركيز على بحث المصالح الوطنية والاستراتيجية للجانبين، وبحسب الكثير من المعطيات الجانب المصري لديه مصلحة كبيرة في التوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا”.

 

وأضاف المصدر “تركيا لا تنفي حاجتها ومصلحتها في التوصل لهكذا اتفاق، لكن في المقابل نعلم أن الجانب المصري سيكون رابحاً لو غلب مصالحه الوطنية. مصر يمكنها فعل الكثير من خلال تركيا لكنها تبقى مقيدة ومعرضة للابتزاز من قبل اليونان وإسرائيل.. الحديث كله يتركز حول المصالح المشتركة وليس طرف على حساب الاخر”.

 

وتقول تركيا إن مصر خسرت الكثير من المناطق البحرية في الاتفاقيات التي وقعتها مع اليونان وقبرص وإنه في حال التوقيع على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع تركيا فإنها سوف تستعيد الكثير من هذه المناطق وستحصل على مساحات كبيرة تضاف إلى مناطقها الاقتصادية الخالصة، وهو نفس الأمر الذي تحدثت عنه تسريبات مختلفة قالت إن جهات سيادية في مصر منها المخابرات والخارجية قدمت توصيات للرئاسة حول أهمية الاتفاق مع تركيا في شرق المتوسط.

 

وتشير التقديرات التركية إلى أن مصر تعرضت لانتكاسات متتالية من قبل حلفائها في شرق المتوسط ما دفعها لإعطاء أولوية كبيرة لملف التقارب مع أنقرة وحتى وإن لم تظهر هذه الرغبة في التصريحات الرسمية وخطابها الإعلامي، لكن ما يبقى مجهولاً في تركيا هو ما إن كانت مصر تسير في هذا الملف كمناورة ولاستخدامها ورقة في الضغط على أطراف أخرى لتقديم تنازلات لها في ملف شرق المتوسط، أم أنها رغبة حقيقية في تغليب مصالحها مع تركيا بعد الوصول إلى قناعة بأن مكاسبها ستكون أكبر في هذا الإطار.

ومؤخراً، عقدت قمة بين اليونان وقبرص و”إسرائيل” وبمشاركة الإمارات حول ملف شرق المتوسط، في المقابل جرى تجاهل مصر وعدم دعوتها لهذا اللقاء، وهو ما زاد من الخشية المصرية من دور إماراتي سلبي في ملف شرق المتوسط، لا سيما وأن الإمارات دولة غير مطلة على البحر المتوسط وليست طرفا مباشرا، وإنما تحاول من خلال تدخلاتها مناكفة تركيا ولعب دور أكبر في المنطقة بالتأثير على بعض الأطراف.

 

كما أن مشروع الربط الكهربائي الذي جرى التوصل إلى اتفاق حوله جرى بتفاهمات بين الاتحاد الأوروبي واليونان و”إسرائيل”، بينما جرى تجاهل مصر وتركيا التي عبرت عن غضبها وتوعدت بأن المشروع لن يرى النور بدون مشاركتها بعدما أكدت أنه يمر من مياهها الإقليمية وأنها لن تسمح بذلك بدون اتفاق.

 

كما أنه لم يتم دمج مصر بشكل حقيقي في مشروع إنشاء خط “ميد ايست” لنقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا، وتأكيد تركيا أن المشروع لن يكون مجدياً بدون التعاون معها، وما ولده هذا المشروع من مخاوف مصرية بأن يؤدي إلى التخريب على مخططات مصر لنقل غازها إلى أوروبا وتخريب مشاريعها لأن تتحول إلى ممر استراتيجي لعبور الطاقة، وهي كلها عوامل دفعت القاهرة للتنبه إلى وجود مساعي لتهميشها لصالح تعزيز مكاسب اليونان وإسرائيل، كما أن القاهرة تعلم جيداً أن تركيا فقط هي من بإمكانها تعطيل الكثير من هذه المشاريع بسبب موقعها الجغرافي الحاسم في ملف شرق المتوسط.

 

وفي خضم هذه التطورات، جاءت اتفاقيات التطبيع بين دول خليجية و”إسرائيل” والحديث عن تطبيع خفي بين “إسرائيل” والسعودية وطرح مشاريع للنقل والغاز والبترول بين “إسرائيل” والخليج وما قد تحمله هذه الأفكار من مخاطر استراتيجية مدمرة على مكانة مصر الجيوسياسية والاستراتيجية وما قد تكبته من خسائر لمكانة ومكاسب قناة السويس أبرز مكتسبات مصر الاستراتيجية.

 

ومن خلال المعطيات والتقديرات السابقة، يظهر وجود حاجة مشتركة ومتبادلة للجانبين للتقارب، إلا أن التخوف التركي يبقى قائماً بقوة من أن تنجح اليونان و”إسرائيل” وأطراف أخرى في التأثير على مسار ملف التقارب التركي المصري وتقديم بعض التنازلات للقاهرة مقابل منعها من مواصلة مسار التقارب مع التركي لإعاقة أي اتفاق متوقع لترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.

إسماعيل جمال

 

 


مصدر الخبر :موقع "القدس العربي"

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *